يا وزير الزراعة .. لماذا حرمتنا من اللحم الجورجي؟! ..
محمود الدباس - ابو الليث
02-02-2025 08:07 PM
قبل أن تسارعوا إلى استنتاجاتكم الجاهزة.. وقبل أن تجيبوا عن السؤال بما يحلو لكم من اتهامات وتكهنات.. دعوني أسرد عليكم القصة كاملة.. فليس كل من أشعل فتيل الأمل قادراً على حمل شعلته حتى النهاية.. وليس كل من وعد أوفى..
في أحد الأيام.. بينما كان وزير الزراعة في زيارة رسمية إلى جورجيا.. ظهر أحد التجار في مقطع مصور.. وهو يعد الأردنيين.. بأن لحم الضأن الجورجي سيغزو الأسواق.. وبأنهم سيشترونه بثمن أقل مما يدفعونه لشراء الدجاج.. بل أكد أن سعر الكيلوغرام الواحد.. لن يتجاوز 3.5 دينار.. تصريح كهذا.. أشعل الحماسة في نفوس المواطنين.. الذين أنهكتهم أسعار اللحوم المرتفعة.. لكن الوزير لم يمر مرور الكرام على هذا الحديث.. بل أبدى استعداده الكامل لدعم هذا المشروع.. إن كان جاداً وقابلاً للتنفيذ.. وبالفعل.. زار الوزير ذلك التاجر شخصياً.. وأكد له أن الوزارة ستفتح له كل الأبواب.. وأن أي عائق يواجهه.. ما عليه إلا أن يتواصل معه مباشرة لحله..
ومضت الأيام.. واستصدر التاجر رخصة استيراد لحم الضأن.. الطازج والمبرد.. بسقف يصل إلى 1000 طن.. أي مليون كيلوجرام.. واختار مطار الملكة علياء.. ليكون بوابة عبور اللحوم إلى الأردن.. ثم اكتشف أن استيراد الخراف حية مكلف جداً.. فقرر أن يجلبها مذبوحة ومبردة.. لم تمانع الوزارة.. لأن الرخصة التي بحوزته.. تخوله ذلك.. لكنها اشترطت.. أن تتم عمليات الذبح وفق الشريعة الإسلامية.. وفي مسالخ معتمدة.. تمنح الشهادات الرسمية المطلوبة.. وهذا ليس شرطاً استثنائياً لهذا التاجر وحده.. بل هو شرط مطبق على جميع مستوردي اللحوم..
ثم جاءت اللحظة الحاسمة.. دخلت أول شحنة إلى الأردن في السادس من تموز عام 2022.. بكمية لا تتجاوز 973 كجم.. ووفق الأصول.. ثم تبعتها شحنة أخرى في التاسع من تشرين الأول بنفس العام.. بحجم 1891 كجم.. وتم بيع هذه اللحوم في أحد المراكز التجارية.. بسعر 6.5 دينار للكيلوجرام.. رغم أن التاجر كان قد وعد الأردنيين.. بأنهم سيشترونه بحوالي 3.5 دينار فقط.. وهنا كانت الصدمة.. فقد كان الجميع ينتظر أن تغرق الأسواق باللحوم الجورجية.. لا أن تصل بكميات تكفي لإقامة عزيمة عرس او عرسين.. ولا أن تُباع بسعر أعلى مما كان متوقعاً..
التاجر الذي ملأ الدنيا ضجيجاً.. اختفى فجأة.. فلا أحد يعلم لماذا لم يستمر.. ولا أحد يدري إن كان قد تسرع في حساباته.. أم أنه لم يدرس السوق جيداً.. لكن ما نعلمه يقيناً.. هو أن الحكومة لم تضع أمامه عراقيل.. ولا عرقلت مسيرته.. بل قدمت له نفس التسهيلات التي تقدمها لأي مستورد آخر.. أما قضية التكاليف.. والقدرة على التفاوض مع الموردين في الخارج.. فهي شأن يخص التاجر وحده.. وليس للدولة أي تدخل فيه..
لكن ما حدث بعد ذلك كان أشد غرابة.. فبدلاً من أن يُسأل التاجر عن سبب تراجعه.. وبدلاً من أن يُسأل عن وعوده التي تبخرت في الهواء.. تحولت السهام إلى وزارة الزراعة.. وكأنها هي التي وعدت الأردنيين باللحم الرخيص.. وكأنها هي التي أخلفت العهد.. وكأنها وضعت عليه ضرائب ورسوم واشتراطات تعجيزية.. أو غير تعجيزية.. لم تضعها على غيره.. وبين ليلة وضحاها.. أصبح اللحم الجورجي قضية رأي عام.. ووسيلة جديدة لإشعال الاحتقان.. وتأجيج الشارع ضد الحكومة..
وها نحن اليوم.. بدل أن نفرح بخطوات إيجابية اتخذتها الوزارة.. بقيادة وزير نشمي منتمي.. لتسهيل الاستثمار.. وضبط الأسواق.. ومحاربة الفساد في القطاع الزراعي.. نجد مَن يصرّ على البحث عن أي ثغرة.. أو قصة.. يمكن أن تُفسد فرحتنا.. يبحثون في كل زاوية عن شبهة فساد لم تكن موجودة أصلاً.. يقتاتون على إثارة الشكوك.. وتأليب الناس ضد أي إنجاز.. ولو كان في صالحهم.. ولو أنصفوا.. لسألوا أنفسهم سؤالاً بسيطاً.. أين التاجر اليوم؟!.. ولماذا لم يُدخل أكثر من 2864 كجم.. رغم أنه حصل على تصريح بمليون كجم؟!.. ولماذا باع اللحوم بسعر 6.5 دينار.. بعدما وعد بأنها ستكون بنصف هذا الثمن؟!.. وحتى لو أنه تفاجأ برسوم.. او ضرائب.. أو كُلف اعلى مما توقع.. فهل هذا هو ديدن التاجر.. الذي يمكن ان يقوم بتجارة على مستوى الوطن ككل؟!..
أما الوزير.. فلم يتحدث يوماً عن شيء إلا وفعله.. ومن يملك دليلاً على غير ذلك فليقدمه.. وليأتِ لنا بحقيقة تثبت.. أن الوزارة عرقلت هذا التاجر.. أو حرمته من استيراد اللحوم.. أما أولئك الذين لا يعيشون إلا على نشر الشائعات.. والتشكيك في كل خطوة للأمام.. فليبحثوا عن قضية حقيقية يتحدثون عنها.. فقد سئمنا ممن لا يريدون لنا حتى يوماً واحداً من الرضا.. أو التفاؤل..
وهنا اقولها بصراحة.. أنصحكم بطرق مكان آخر.. غير وزارة الزراعة.. ففيها وزير لا تأخذه في الحق ومحاربة الفاسدين والمتكسبين على ظهر الغير.. لومة لائم.. وفيها مسؤولون يقفون سنداً لربان سفينتهم.. كالسد المنيع في وجه أي محاولة للعبث بحياة وسلامة المواطنين..