عند الحديث عن مشاريع البنية التحتية الكبرى، لا يمكن تجاهل العوامل الجغرافية والتاريخية التي لعبت دورًا رئيسيًا في تشكيل طرق التجارة والتنقل عبر التاريخ.

يعمل مجلس التعاون الخليجي على تطوير مشروع السكك الحديدية الخليجية بهدف تعزيز الترابط الاقتصادي والتجاري، ويتبادر لدينا تساؤل مهم: هل يمكن أن يمتد هذا المشروع شمالًا ليشمل الأردن كمسار فرعي؟

بموقعه الجغرافي، يمثل الأردن نقطة التقاء طبيعية بين الخليج والمشرق العربي وأوروبا، حيث يقع بين الهضبة العربية والصحراء السورية من جهة، ووادي الأردن والبحر الأحمر من جهة أخرى. هذه العوامل جعلته عبر التاريخ محورًا رئيسيًا لطرق التجارة، كما أن تضاريسه تسمح بإنشاء السكك الحديدية بسهولة نسبية، خصوصًا مع وجود مسارات تاريخية مثل وادي السرحان، الذي كان ممرًا رئيسيًا للقوافل التجارية بين الجزيرة العربية والشام، أو وادي عربة، الذي يمكن أن يشكل امتدادًا طبيعيًا للربط بين الجنوب والشمال.

لكن الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع لا تقتصر فقط على العوامل الجغرافية.
فعبر التاريخ، لم تكن طرق التجارة بين الخليج والمشرق تمر عبر هذه المنطقة عبثًا، بل كانت تستند إلى اعتبارات اقتصادية وتجارية عميقة، كما هو الحال مع طريق البخور، وطريق الحرير، وسكة حديد الحجاز، التي تؤكد أن التعاون بين هذه المناطق امتد عبر العصور بروابط تعكس التكامل بين شعوب المنطقة.

وعن الواقع الراهن لمشروع سكة الخليج، أكد معالي الأستاذ جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في أكتوبر 2024، أن مشروع السكك الحديدية الخليجية سيكون له أثر كبير في تعزيز التبادل التجاري بين دول الخليج، كما سيسهل حرية التنقل للمواطنين والمقيمين، وهو ما يعزز فرص التعاون الاقتصادي والاجتماعي على المدى البعيد.

نسب الإنجاز والتطورات الحالية في مشروع سكة الخليج تعكس التزام الدول الخليجية بالمضي قدمًا في تنفيذه.
فقد استكملت الإمارات والسعودية الربط بينهما، بينما تعمل البحرين والسعودية على تطوير الجسر الرابط، في حين أطلقت عُمان والإمارات مشروعًا لربط صحار بأبوظبي.
كما بدأت قطر والكويت العمل على التصاميم الهندسية، مما يؤكد أن المشروع يسير بخطى ثابتة ومبشرة.

لكن السؤال هنا: هل يمكن أن تكون العقبة جزءًا من هذه المنظومة لتحقيق الاستفادة القصوى؟

من المهم الإشارة إلى أن دول الخليج تمتلك موانئ متطورة تلعب دورًا رئيسيًا في التجارة العالمية، مما يطرح تساؤلًا حول مدى الحاجة إلى دمج العقبة في هذه المنظومة، وما القيمة التي يمكن أن تضيفها.
في المقابل، يوفر موقع العقبة بدائل لوجستية قد تساهم في تنويع مسارات الشحن وتعزيز الترابط التجاري، خاصة إذا تم ربط مينائها بشبكة السكك الحديدية الخليجية، إضافة إلى إمكانية تحويلها إلى محطة صناعية، مما يسهم في دعم سلاسل التوريد وتعزيز تكاملها مع الأسواق الإقليمية والعالمية.

إلى جانب ذلك، تمتلك العقبة مهارات بشرية مؤهلة بخبرات نوعية في القطاعات اللوجستية والصناعية، مما يجعلها قادرة على تلبية متطلبات المشاريع الكبرى بفاعلية، وهو عامل حيوي يعزز فرص الاستثمار ويضمن نجاح المبادرات المستقبلية في المنطقة.

التطورات الإيجابية الأخيرة في العقبة، مثل إطلاق المرحلة الأولى من مشروع “مرسى زايد”، الذي دشّن قبل يومين بحضور رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، تعكس رؤية أوسع لجعل العقبة مركزًا استثماريًا ولوجستيًا متكاملًا.

فمشروع مرسى زايد، الذي يتم بالتعاون بين موانئ أبوظبي وشركة تطوير العقبة، يشكل فرصة لتعزيز مكانة المدينة كمحور لوجستي رئيسي، لكنه يتطلب تكاملًا أوسع مع خطط النقل الإقليمية لضمان تحقيق أقصى استفادة من موقعها.

اليوم، العقبة لم تعد مجرد محطة على الخارطة، بل أصبحت مركزًا لوجستيًا قادرًا على استيعاب حركة تجارية ضخمة، مدعومة بمدن صناعية جاهزة ومؤهلة بالكامل، مما يزيد من جاذبيتها كمنصة لإعادة التصدير.
ومع تسارع خطوات التكامل الاقتصادي الخليجي، فإن مدى استفادة الأردن من مشروع السكك الحديدية الخليجية يعتمد على توفير حلول لوجستية تنافسية وحوافز استثمارية.

واليوم، نتطلع لرؤية صناع القرار في الأردن يمهدون الطريق لاستثمار هذه الفرصة بفاعلية ضمن استراتيجية اقتصادية متكاملة تعزز التعاون مع دول الخليج.