اللياقة البرلمانية أم السيرك السياسي؟
د. حمزة العكاليك
02-02-2025 10:34 AM
في عالمٍ موازٍ، حين تتحول قبة البرلمان إلى فصل دراسي، يصبح رئيس مجلس النواب "عريف الصف"، حاملاً بيده عصا السلطة التخيلية، ومستخدماً مصطلحاتٍ لا تليق بكرامة وبرتوكولات المنصب الذي يشغله ولا بالاعراف البرلمانية الراسخة التي ارساها الكبار ممن جلسوا على الكرسي قبله. فبدلاً من إدارة الجلسات باحترام وحكمة، نراه يصرخ تاره بالنواب: "زيحه!"، وكأنهم تلاميذٌ في حصة رياضيات، أو يوجه كلماته للوزراء بقوله: "نزل إيدك!"، وكأنهم تلاميذٌ في حصة رسمٍ فاشلة. يا له من مشهدٍ سورياليٍّ يختلط فيه السياسي بالكوميدي، والجدّ بالهزل!.
في هذه الفانتازيا السياسية، يتحول البرلمان إلى ساحةٍ للصراخ والتهريج، حيث تُهمل الأعراف البرلمانية، وتُستبدل بلهجةٍ لا تختلف عن تلك التي نسمعها في الأسواق الشعبية. رئيس مجلس النواب، الذي يفترض أن يكون رمزاً للحيادية والنزاهة، يتحول إلى "عريف للصف" متسلط، يوزع الأوامر بلهجةٍ استعلائية، وكأنه ينسى أن النواب والوزراء ليسوا تلاميذًا في مدرسته الخاصة.
لكن دعونا نعود إلى الواقع، حيث تُعتبر هذه التصرفات غير اللائقة خروجًا صارخًا على الأعراف البرلمانية. فرئيس مجلس النواب هو شخصيةٌ عامه يجب أن تحافظ على هيبة المؤسسة التشريعية، وأن تكون قدوةً في الاحترام والتوازن. ففي عالم السياسة الحقيقي، لا مكان للصراخ أو التهريج. الأعراف البرلمانية تقتضي أن يكون رئيس المجلس حكيمًا، متزنًا، وقادرًا على إدارة الجلسات باحترامٍ وحزمٍ في الوقت نفسه. فإذا تحولت القبة البرلمانية إلى فصلٍ دراسي، فمن سيقود المؤسسة التشريعية؟ ومن سيمثل الشعب بكرامة؟.
واما عبدالحكيم الشبلي وزير المالية الذي لا اعرفه ولم التقي به بحياتي ولا تربطني به اي صلة قرابه وانما شهد بحقة الثقات الموثوين انه من اهل الجد والاجتهاد؛ شاب اردني خرج من رحم هذه الارض وتعلم وارتقى بالمنصب من خلال التسلسل الطبيعي للموظف النشيط المبدع من خلال مسيره اكاديمية وعملية واحترافية الى ان تم تكلفية ملكيا بهذا المنصب من خلال اختيار دولة الدكتور جعفر حسان له كوزير للمالية. ولم يصل الى هذا المنصب من خلال التنقل بين الولاءات السياسية وتبديل المظلات الحمائية او ابتزاز المواقف السياسية. ولو كان محمد العسعس هو من يجلس على راس وزارة المالية لما استطاع رئيس المجلس ان ينظر الى مكان جلوسه وليس التحدث الية بهذه اللغة اللامسؤولة.
واذا ما اردنا الحديث عن الابتزاز فالذاكرة الشعبية حُبلى بالمواقف التي تتحدث عن ابتزاز النواب للمسؤولين الحكوميين ولستُ بحاجة الى ضرب امثله في هذا السياق فبزيارة الى مكتب اي مسؤول حكومي على اختلاف التراتيبة الوظيفية ستجد النواب على ابوابه اكثر من المواطنين من طالب لاستثناء او احالة عطاء او تجاوز نظام او القفز فوق تعليمات او حتى اكثر من ذلك بكثير.
هذا السلوك الذي يفتقر إلى النضج والمسؤولية، ويتنافى مع وقار المنصب لرئيس مجلس النواب ليس انتهاكًا للقانون فحسب، بل خطرٌ على الشرعية الديمقراطية بأكملها. في الأردن، حيث البرلمان جزء من مشروع الإصلاح السياسي المعلن، يتطلب الأمر إرادةً حقيقية لتحويل المجلس إلى منصةٍ للحوار البنَّاء، بدلًا من مسرحٍ للصراعات الشخصية. كما قال الملك عبدالله الثاني: البرلمان مدرسةٌ للديمقراطية، وأدب الحوار هو أساس نجاحها".
ففي الاعراف البرلمانية وفي وقت تحتفل فيه الاردن بمرور مئة عام على تأسيس الدولة يحظر على الرئيس الانحياز أو استخدام لغة غير لائقة، ويُمكن تفسير العبارات الاستفزازية على أنها خرق للبروتوكول البرلماني، خاصة إذا هدَّدت كرامة النائب أو عرقلت الحوار الموضوعي البناء مع السلطه التنفيذية.
هذه الفانتازيا السياسية ليست مجرد سخرية، بل هي دعوةٌ لاستعادة هيبة المؤسسات ولا داعي لاستخدام تكنيك البونساي لتقزيم السلطات او المناصب على مقاس توجهات او اشخاص . فلنترك الصراخ للأسواق، ولنحتفظ بالاحترام للبرلمان. فالاردن يستحق مجلس وازن يتماشى ويساير مسار الاصلاح السياسي الذي وجهه الية وامر بتنفيذه سيد البلاد، وليس تلاميذًا في فصلٍ دراسيٍ وهمي!.
ومن المفارقه انه في خضم هذه المسرحية الهزلية، نجد الدولة تعمل بجد بقيادتها الهاشمية للوقوف بوجة الرياح الغاتية التي تهب علينا من الغرب، بينما النواب يلعبون لعبة "الشدّ والجذب" بكل مهارة. وهم لا يترددون في استخدام كل الأوراق المتاحة: كل ذلك تحت شعار: "السياسة فن الممكن!" أو بالأحرى: "السياسة فن الابتزاز!"
فمن السخافة والأستغرب أن نرى رئيسًا لمجلس النواب وهو يطلق العنان لغضبه على النواب والوزراء، وكأنهم تلاميذ في مدرسة ابتدائية؟ ويجب أن ندرك أن القيادة الحقيقية لا تقوم على القوة والسلطة، بل على الحكمة والرؤية الثاقبة. ويجب أن يكون القائد قادرًا على الاستماع إلى الآخرين، واحترام آرائهم، والعمل معهم من أجل تحقيق مصلحة الوطن.
وفي مقارنة مع حوادث مشابهة في برلمانات عربية ففي الكويت عندما هدد رئيس مجلس النواب الكويتي عام 2021 نائباً بطردة ووجه بضغوط اعلامية مما قاد الى الموافقة على تعديلات لنظام اللائحة واعتذر عن ما بدر منه. واما في المغرب فعندما قطع رئيس البرلمان ميكروفون نائب عام 2022 تدخل الملك لاصدار توجيهاه باحترام اداب الحوار.
باختصار، هيبة المنصب لا تُكتسب بالصراخ ولا باستغلال منصب الرئاسه، بل بالسلوك الحكيم المتوازن الذي يليق بتمثيل الشعب والمؤسسة.