جريمة تهجير الفلسطينيين في إطار القانون الدولي
د. أشرف الراعي
01-02-2025 11:00 PM
على الرغم من النقاشات التي تثور كثيراً حول الجدوى من القانون الدولي الإنساني والذي كتبت – شخصياً – فيه الكثير من المقالات والتي ربما أنكرت فيها وجود هذه القواعد نظراً لأن القوة هي الأساس في العلاقات الدولية، مع غياب مفهوم "الجزاء" وعلى الرغم مما يرد عليه الأستاذ الدكتور مخلد الطراونة في كتابه القانون الدولي الإنساني؛ قائلاً إن "هذا الكلام لا يعدو أن يكون كلاماً نظرياً بحتاً، وأن الدول لا تناقش ذلك وأن القول بغير ذلك يعد في الواقع ضرباً من الخيال".
إلا أني سُئلت غير مرة عن الوضع القانوني من قبل عدد من الأصدقاء في الفضاء الأزرق، فوجدت لزاماً أن أبحث في هذا الموضوع لتوضيح بعض النقاط في الوضع القانوني لتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الداعية إلى تهجير الفلسطينيين من وطنهم "تحت ذرائع إنسانية"، في نكبة جديدة سوف تسجل في سجل النكبات لهذا الشعب، و للمرة الثالثة في غضون نحو 75 عاماً.
ففي ظل هذه التصريحات والمواقف السياسية التي تصدر عن ترامب برزت مخاوف قانونية وأخلاقية حول رغبته في تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، والتي إن تحققت، ستشكل انتهاكاً صارخاً لمجموعة من المبادئ الراسخة في القانون الدولي، خاصة تلك المتعلقة بحماية السكان المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، وحظر التهجير القسري، وضمان حق الشعوب في تقرير المصير.
وفي ذلك يمكن القول، إن التهجير القسري للسكان المدنيين يُعتبر جريمة خطيرة وفقاً لاتفاقيات جنيف لعام 1949، وخاصة المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر "النقل الجبري الفردي أو الجماعي للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضٍ أخرى، بغض النظر عن الدوافع"، كما أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (روما 1998) يصنف الترحيل أو النقل القسري للسكان ضمن قائمة الجرائم ضد الإنسانية في المادة 7(1)(د)، وكذلك كجريمة حرب بموجب المادة 8.
وبالتالي إذا حاول ترامب - أو أي إدارة أمريكية أخرى - دعم سياسة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، فإن ذلك يمكن أن يُفسَّر على أنه دعم لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مما يعرض المسؤولين عن تنفيذها للملاحقة القانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهو سؤال طرحه الزميل والصديق باسل رفايعة على صفحته مراراً وتكراراً على "فيسبوك" ما استدعى هذا البحث.
وليس هذا فحسب، بل يعتبر حق تقرير المصير من المبادئ الأساسية في القانون الدولي العرفي وميثاق الأمم المتحدة (المادة 1/ 2)، وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن للشعب الفلسطيني الحق غير القابل للتصرف في تقرير مصيره، بما يشمل إقامة دولة مستقلة على أرضه، بالتالي، فإن أي محاولة لفرض تهجير جماعي على الفلسطينيين تتناقض بشكل مباشر مع هذا الحق، وتشكل اعتداءً صارخاً على سيادة الشعب الفلسطيني ووجوده الواقعي والقانوني الذي أكدت عليه مختلف القرارات الدولية الصادرة من الأمم المتحدة والتي تقف في وجهها قرارات الفيتو الأمريكية.
هناك مخاوف أيضاً من أن أي سياسة لتهجير الفلسطينيين قد تندرج في إطار التمييز العنصري، وهو ما تحظره الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، والتي تُلزم الدول الأطراف بعدم تشجيع أو دعم السياسات التي تؤدي إلى تفوق عرق معين أو استبعاد مجموعة عرقية من أراضيها التاريخية، وبالتالي، فإن أي دعم أمريكي لمثل هذه السياسات قد يثير قضايا قانونية أمام هيئات حقوق الإنسان الدولية.
إن رغبة ترامب في تهجير الفلسطينيين ليست مجرد مسألة سياسية، بل هي انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ويمكن بتطبيقها أن تضع الولايات المتحدة نفسها في مواجهة قانونية؛ فالمجتمع الدولي ملزم قانونيا وأخلاقيا بالتصدي لأي محاولات تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية لفلسطين بالقوة، وذلك من خلال آليات القانون الدولي، مثل المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة، للضغط على أي طرف يسعى إلى تنفيذ مثل هذه السياسات العنصرية وغير المشروعة، فضلاً عن أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات لن تتأثر بقرار لترامب أو غيره، وما يجري جميعه ليس سوى حرب إعلامية.