ترشيق أم تمزيق للجهاز الحكومي الأردني؟
د. بشار المجالي
01-02-2025 06:49 PM
لا شك أن الحكومة الحالية مشكورة ماضية في تنفيذ خارطة الطريق الرامية إلى إصلاح القطاع العام، والتي أطلقتها الحكومة السابقة بهدف تحسين كفاءة الأداء الإداري، وتعزيز الشفافية، ورفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين ، ومن بين الإجراءات المتخذة لإصلاح القطاع العام، جاءت عملية ترشيق الجهاز الحكومي من حيث عدد الموظفين، حيث نشهد حالياً إحالة الآلاف من الموظفين إلى التقاعد والتقاعد المبكر في معظم المؤسسات الحكومية.
ورغم أهمية الترشيق وضرورته، إلا أن نجاحه يتطلب أسسًا واضحة تتبعها الحكومة، حتى لا تتحول العملية من ترشيق إلى تمزيق للجهاز الحكومي، مما يؤدي إلى تفريغه من الكفاءات والخبرات بحجة تقليل الكوادر البشرية.
فعمليًا، إذا أرادت الحكومة تقليل الكوادر البشرية في الجهاز الحكومي، يجب أن تتبنى استراتيجية وطنية للقوى البشرية تمتد على الأقل لخمس سنوات، تحدد فيها: الأعداد السنوية المنوي الاستغناء عنها،والمسميات والدرجات الوظيفية في القطاع العام ،والوظائف النادرة والمتكدسة ، وأثر ذلك على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين
بدون استراتيجية وطنية، ستصبح عمليات التقاعد والإحالات مجرد قرارات مزاجية تخضع لمعيار واحد هو "سنوات الخدمة"، دون النظر إلى أي معايير أخرى. فليس من المنطقي الاستغناء عن موظفين أكفاء لديهم الخبرة والمعرفة لمجرد استيفائهم شروط التقاعد واحياناً التقاعد المبكر، والإبقاء على موظفين أقل كفاءة فقط لأنهم لم يبلغوا سنوات الخدمة المطلوبة .
ومن الغريب أيضًا ألا يتم ربط عمليات الترشيق بإجراءات التحول الرقمي والأتمتة التي تمت في الجهاز الحكومي. فعلى سبيل المثال، ما زالت بعض المسميات الوظيفية مثل "المحاسبين" مكدسة في الجهاز الحكومي، رغم أن جميع عمليات الدفع تتم إلكترونيًا ودون الحاجة إلى هذا العدد الكبير من المحاسبين. وبالتالي لابد ان تترافق عملية الترشيق مع خطة لاعادة توزيع للعاملين ممن لم يحققوا شروط التقاعد للاستفادة منهم في وظائف اخرى او مؤسسات حكومية تعاني من نقص في كوادرها، مع العلم ان استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى الاستغناء عن وظائف حساسة مثل الأطباء والمهندسين الاكفاء فقط لأنهم استوفوا شروط التقاعد، بينما يتم الإبقاء على مسميات وظيفية متخمة بالموظفين لأن شاغليها لم يصلوا إلى عدد سنوات الخدمة المطلوبة.
و من الأخطار الكبرى أيضًا غياب القيادات المؤهلة والمدربة من الصف الثاني لسد الفجوات الناتجة عن الإحالات إلى التقاعد. وعليه، يجب التأكد من وجود بديل مدرّب ومؤهل قادر على تولي المهام بكفاءة وفعالية. أما التعامل مع الوظائف الشاغرة بطريقة "ملء الفراغ" دون النظر إلى مؤهلات الشخص الجديد وخبراته، فسيؤدي حتمًا إلى تراجع مستوى كفاءة وفعالية الأداء الحكومي بسبب ضعف القدرة والكفاءة لدى البدلاء.
إن ترشيق الجهاز الحكومي هو مطلب وطني، خاصة أن الجهاز الحكومي مثقل بما يُعرف بـ"البطالة المقنعة". لذا، لا بد من السير في هذا الاتجاه، لكن ضمن استراتيجية وطنية واضحة، تضمن تنفيذ عمليات الترشيق بشكل منظم ومدروس، بالاعتماد على معايير الكفاءة والندرة، وليس فقط سنوات الخدمة. هذه الاستراتيجية الوطنية يجب أن تستند إلى قاعدة بيانات دقيقة حول الوظائف الحكومية، بحيث تكون مرتبطة بالتحول الرقمي ووظائف المستقبل، لضمان تنفيذ الإصلاح بطريقة سليمة ومتوازنة، بحيث نرشّق القطاع العام دون أن نمزقه.