غوانتانامو ولكنّها أردنية !
خالد محادين
24-01-2007 02:00 AM
أرجو أن يعذرني كل الزملاء، إذا ما اتهمتهم بالسذاجة وقلّة العقل بسبب مطالبتهم بعدم حبس الصحافيين، لا بموجب قانون المطبوعات ولكن بموجب قوانين العقوبات او بسبب مطالبتهم بعدم الحكم عليهم بالغرامات المالية بسبب ابداء رأي أو وجهة نظر في قضايا الوطن والناس، إذا لا أحد يستطيع ان ينكر أن السلطتين التشريعية والتنفيذية : نواباً وأعياناً ووزراء تتعاملان مع الصحافة وحريتها ومع الصحفيين بما هو اقسى من القمع وفي ظل إحساس بالمتعة والبهجة والإنشراح!
الحديث عن حريات صحفية في بلدنا هو كالحديث عن أنواع السمك التي تعيش في البحر الميت، والحديث عن حريات تعبير وحريات اجتماعات هو كالحديث عن خرافات وقصص خيالية وأفلام سينمائية سيئة النص وسيئة الاخراج وسيئة التمثيل وسيئة الممثلين، فالمسؤولون الذين يمنعون أمسية شعرية أو ندوة ثقافية أو احتفالاً بمناسبة دينية كالهجرة النبوية، يمارسون أعمالا لا تكفي كل كلمات وتعبيرات القمع السياسي للتعبير عنها، وهم يفعلون هذا من منطلق نظرتهم نحو الأردنيين كشعب متخلف- ألم يصفنا بعض النواب بأننا كلاب ودفعوا زملاء لنا بقوة وقسوة خارج البرلمان وحطموا آلات تصويرهم ويرفضون اصلاحها - لهذا يبدو اصرار الزملاء على التحرك الداخلي المهذب لمواجهة قوانين سجنهم مع لصوص السيارات والمتاجر والأغنام وتحكم عليهم بغرامات مالية ضخمة لا لذنب اقترفوه أو لجريمة اقدموا على ارتكابها سوى أنهم رفضوا ويرفضون ان يكونوا شهود زور على ممارسات رسمية مدمّرة للوطن، وكلاباً تركض وراء السيارات الحكومية تعوي وتعوي وببغاوات تردد ما صرّح به فلان أو ما قاله فلان من مزاعم وأكاذيب ومحاولات خداع للاردنيين جميعاً.
استمرار تحرك الزملاء داخل الحدود لن يحقق لهم هدفاً حتى لو استمر تحركهم مائة عام، فهم في مواجهة مسؤولين يستمتعون بالقمع ويمارسونه بفخر ورجولة، ولا بد لهم ان يحملوا القوانين السيئة الى كل هيئة ومنظمة وتجمع معني بالدفاع عن حقوق الانسان، لان من ابسط هذه الحقوق حقه في التعبير عن مواقفه وافكاره وسياسات مسؤوليه التي تلطخ وجه بلدنا بما هو أكثر سواداً من الحبر واكثر رطوبة من الطين وأكثر مدعاة للادانة، يجب ان نصل باصواتنا الى اربع زوايا الارض وان نسعى لحشد كل الشرفاء في العالم من هيئات ومؤسسات ووسائل اعلام ومنظمات مجتمع مدني، فالعالم ليس مغلق الابواب والنوافذ امامنا، والمسؤولون الاشاوس ممن يستمتعون بقمعنا ومحاصرة كلماتنا وتكسير اقلامنا وخياطة شفاهنا لا يملكون حجة واحدة يستطيعون ان يدافعوا بها عن سياساتهم وممارساتهم وقوانينهم وسجونهم وعشرات الالاف من الدنانير التي سيحكم بها على صاحب رأي وصاحب موقف وصاحب كلمة. ولا اعتقد ان تحركا كهذا لن يترك آثاره العميقة والايجابية على المسيرة الصحفية، وان كان في مرحلته الاولى سيقدم بلدنا على غير الصورة التي نتمناها خاصة وان حديثنا عن الديمقراطية وعن الحريات السياسية وعن الصحافة الحرة كما ثبت مجرد كلام نستهلكه نحن ولا يقبل الاخرون به لانه عملية خداع بالغة السذاجة.
نقابة الصحافيين مطالبة بالاتصال السريع مع كل نقابات الصحفيين العربية، ومع كل اندية الصحافة في الدول الديمقراطية، ومع لجان حقوق الانسان العربية والدولية ومع نقابات المحامين العرب ومع عشرات ومئات الصحف العربية والاجنبية عبر وضع ملف كامل امامها عن تشريعاتنا المتعلقة بحرية التعبير والحريات الصحفية وتشريعاتنا المتعلقة بفرض العقوبات الحاقدة والمبالغ فيها على كل من يفتح فمه مسبحاً لله لا للحكومة، ثمة مجالات كثيرة للتحرك على الساحة العربية وعلى الساحة الاميركية وعلى الساحة الاوروبية، اذ ما لم نبدأ هذا الان فاننا سوف ننهض ذات صباح على اطلاق اسم "غوانتانامو" على احد السجون الاردنية، حيث يحشر الصحفيون ويهانون ويضربون ويباع كل ما فوقهم وتحتهم وتطرد أسرهم من بيوتها لجمع قيمة العقوبة المادية، وقد ينطلق من ظل خارج السجن من الزملاء في حملة تسول علها بمردودها المادي تخفف من عقوبة اعدام الصحفي واسرته لانه انتقد وزيرا او عينا او نائبا او شرطي سير او موظفا بالدرجة العليا او على الفئة الرابعة.
لا يجوز ان ينجح المسؤولون في قهرنا وارهابنا، وفي حشو قلوبنا وصدورنا وعقولنا بالخوف والذل، وكما تقول حكمة لا اعرف صاحبها "فقرات العنق لا تطاوع الرأس الذي ينحني لغير الله، وكثيرا ما تنكسر فلا يعتدل لها صاحب مرة اخرى" إذ ان مجرد قبول صاحب رأي وصاحب موقف وصاحب قضية بالانحناء لغير الله، يكون قد حكم على نفسه بالذل والاحتقار.
ان الوطن العربي - وحتى خارجه- مملوء بالصحف الملتزمة بالقضايا النبيلة، وبمئات المواقع الالكترونية، وما دامت مسؤولية الكاتب ان يقول كلمته فان اسهل ما عليه حتى يقولها ويتجنب قوانين القمع والارهاب الفكري هو ان يكتب باسم مستعار، واعرف ان الامر يستدعي تضحية، لكنها تضحية لا بد منها حتى لا يضحي الكاتب بشرفه وضميره والتزامه ومواقفه وواجبه الوطني والقومي والانساني، والكتابة خارج الوطن او على المواقع الالكترونية او باسم مستعار لا يحتاج الى موافقة عطوفة محافظ، ليس معنيا برضا الله وبرضا شعبه وبرضا ابنائه وبرضا اقربائه وانما هو معني برضا المسؤولين الذين يصابون في بلدنا بالشيخوخة المبكرة فيرحلون عن مقاعدهم الحكومية وسياراتهم الحكومية وهيبتهم الحكومية الى باب متجر مجاور لمنزله يحتسي الشاي ويدخن السجائر ويبدي الندم الذي لا قيمة له بعد فوات الاوان.
يقول الفرنسي البير كامو : "الصحافة الحرّة قد تكون سيئة او جيدة، لكن صحافة دون حرية هي بالتأكيد صحافة سيئة".
ملاحظة على صورة سؤال بريء :
هل عدم موافقة محافظ العاصمة على اقامة مهرجان خطابي في ذكرى الهجرة النبوية يعني أننا دولة لا دينية، وبالتالي فان ما وجد في الدستور عن كون الاسلام هو الدين الرسمي للدولة مجرد "كليشية" من قبل لزوم ما لا يلزم.