منح الولايات المتحدة والصندوق السيادي
عبدالله فارس العلاونة
29-01-2025 04:48 PM
* آفاق جديدة للأردن في عالم التمويل المستدام
في ظل الظروف الاقتصادية التي يواجهها الأردن، وخصوصاً في ضوء انقطاع المنح الأمريكية التي كانت تمثل مصدر دعم مهم للمشاريع التنموية في المملكة، أصبح من الضروري البحث عن حلول تمويلية مبتكرة ومستدامة لضمان استمرارية النمو الاقتصادي. من هنا، جاءت فكرة إنشاء صندوق استثماري سيادي أردني، والذي يمكن أن يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني ويخدم الأجيال القادمة، من خلال استثمار الموارد المتاحة وتوجيهها نحو مشاريع تنموية شاملة ومؤثرة.
منذ تولي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مقاليد الحكم، شهدت سياسة المنح الأمريكية للأردن تقلبات كبيرة، ما خلق حالة من عدم الاستقرار في العلاقة المالية بين البلدين. فقد تميزت فترة ترامب بتخفيضات متكررة في حجم الدعم الأمريكي للأردن، فضلاً عن إلغاء بعض المنح والمساعدات المخصصة لمشاريع حيوية في المملكة. هذا التذبذب في السياسات المالية قد أثّر بشكل مباشر على الاقتصاد الأردني الذي كان يعتمد بشكل كبير على هذه المنح في تمويل العديد من البرامج التنموية والمشروعات الحكومية.
في مواجهة هذا التحدي، يجب على الأردن أن يتبنى استراتيجيات بديلة تضمن استدامة نمو الاقتصاد الوطني بعيداً عن الاعتماد على المساعدات الخارجية. من الحلول الممكنة:
1. تعزيز دور الصندوق السيادي الأردني: يجب العمل على تطوير الصندوق السيادي كأداة استراتيجية لتمويل المشاريع الوطنية الكبرى، وتحقيق الاستقلال المالي على المدى الطويل.
2. التوسع في الشراكات الاقتصادية: ينبغي على الأردن تعزيز علاقاته الاقتصادية مع دول أخرى والمنظمات الدولية، بالإضافة إلى البحث عن فرص شراكات خاصة مع القطاع الخاص المحلي والعالمي.
3. تحفيز الابتكار وريادة الأعمال: من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وابتكار حلول تمويلية مبتكرة مثل الاستثمار في التكنولوجيا والطاقة البديلة، يمكن تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
4. تحسين الإدارة المالية وتطوير قطاع الضرائب: يجب العمل على تحسين كفاءة إدارة الموارد المالية الحكومية وتوسيع قاعدة الإيرادات المحلية من خلال إصلاحات ضريبية جذرية تشجع على الاستثمار.
باتباع هذه الحلول، يمكن للأردن تقليل تأثير التقلبات السياسية على اقتصاده، ويضمن استدامة النمو والتقدم في مختلف القطاعات.
الظروف الحالية وضرورة إنشاء الصندوق:
لقد شهد الأردن تراجعاً في الدعم الخارجي نتيجة لانقطاع المنح الأمريكية وأنتقال رئيس الولايات المتحدة الى ولاية رئيس جديد ، وهذه المنح هي واحدة من المصادر الأساسية لتمويل المشاريع والبرامج التنموية. هذا التراجع يضع الاقتصاد الأردني أمام تحديات كبيرة، ومن هنا تبرز أهمية البحث عن بدائل تمويلية مستدامة يمكن أن تساهم في دعم الاقتصاد على المدى الطويل.
أحد الحلول الممكنة والمبتكرة هو إنشاء صندوق استثماري سيادي يعكس رؤية وطنية شاملة. هذا الصندوق يمكن أن يشكل أداة استراتيجية لتحفيز النمو الاقتصادي من خلال استثمار الموارد المالية، البشرية، والطبيعية المتاحة بطريقة مستدامة، دون الحاجة إلى الاعتماد على الدعم الخارجي.
الهدف الأساسي للصندوق:
أهداف هذا الصندوق متعددة، وتتمثل في:
1. تمويل البرامج التنموية للشباب: دعم مشاريع ريادة الأعمال، وتعزيز المهارات المهنية والتقنية التي يحتاجها الشباب الأردني للمشاركة الفعالة في الاقتصاد الوطني.
2. تعزيز استدامة الموارد: من خلال استثمار هذه الموارد بطرق تضمن الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
3. خفض الاعتماد على التمويل الخارجي: من خلال تشجيع الاستثمارات الأجنبية ودعم بيئة الأعمال المحلية.
4. تحقيق التنمية المستدامة: من خلال دعم مشاريع تحول الأردن إلى اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة، مثل الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية.
الموارد والفرص الاستثمارية:
يتمتع الأردن بموارد متنوعة يمكن استثمارها عبر الصندوق السيادي، وتشمل:
1. الطاقة المتجددة: يملك الأردن إمكانيات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو ما يمكن أن يكون محركاً مهماً للنمو الاقتصادي من خلال استثمار هذا القطاع.
2. قطاع التكنولوجيا: يشهد هذا القطاع نمواً ملحوظاً على مستوى العالم، ويمكن استغلال هذه الفرصة لدعم المشاريع التكنولوجية والابتكارية.
3. القطاع الزراعي: يمكن للصندوق أن يساهم في تطوير هذا القطاع من خلال استثمار الموارد الزراعية المتاحة وتوجيهها نحو الزراعة المستدامة.
4. قطاع السيارات الكهربائية: مع التوجه العالمي نحو التحول إلى السيارات الكهربائية، يمكن للصندوق أن يكون شريكاً في تطوير هذا القطاع في الأردن.
خطة عمل الصندوق:
1. المرحلة الأولى (العام الأول):
o تأسيس الصندوق السيادي، وتحديد هيكل عمله وآليات التمويل.
o دراسة جدوى شاملة لتحديد القطاعات الاقتصادية الأكثر استفادة من الاستثمارات.
o تخصيص جزء من المنح الدولية المتاحة لدعم هذه المشاريع.
2. المرحلة الثانية (العام الثاني - العام الثالث):
o بدء الاستثمار في القطاعات المستهدفة مثل الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، والزراعة.
o إطلاق برامج لدعم ريادة الأعمال وتدريب الشباب على المهارات المطلوبة في سوق العمل.
o جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال تقديم حوافز وتشجيع البيئة الاستثمارية في الأردن.
3. المرحلة الثالثة (العام الرابع - العام الخامس):
o ضمان استدامة التمويل من خلال تعزيز الاستثمارات في القطاعات الحيوية.
o دعم التحول الأخضر من خلال تمويل مشاريع الطاقة النظيفة.
o إجراء تقييم شامل لأداء الصندوق ومدى تحقيقه لأهدافه التنموية.
الأرقام والإحصائيات الداعمة:
فيما يتعلق بالصناديق السيادية العالمية، يأتي جهاز أبوظبي للاستثمار في المركز الأول بين الصناديق السيادية العربية بحجم استثمارات بلغ 829 مليار دولار في عام 2021، يليه الصندوق الكويتي بحجم 693 مليار دولار، ثم صندوق الاستثمارات العامة السعودي بحجم 480 مليار دولار. كما تشير الدراسات إلى أن 22% من استثمارات الصناديق السيادية العالمية تم توجيهها إلى قطاع التكنولوجيا في عام 2021، مقارنة بـ 10% فقط في عام 2016.
التحديات والمخاطر:
رغم الفوائد الكبيرة التي يمكن أن يحققها الصندوق السيادي الأردني، هناك تحديات يجب أن يتم التعامل معها، مثل:
1. التقلبات الاقتصادية العالمية: يمكن أن تؤثر على استثمارات الصندوق في الأسواق العالمية، لذلك يجب أن يكون هناك استراتيجيات مرنة لإدارة المخاطر.
2. إدارة الصندوق: ضرورة وجود إدارة فعالة وشفافة لضمان تحقيق أهداف الصندوق بطرق مبتكرة وموثوقة.
إن إنشاء صندوق استثماري سيادي في الأردن يعد خطوة حيوية نحو بناء اقتصاد مستدام يتكامل مع احتياجات الأجيال القادمة. من خلال استثمار الموارد المتاحة وتوجيهها نحو القطاعات الرائدة مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، يمكن للصندوق أن يكون محركاً رئيسياً لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأردن. ومن خلال هذا الصندوق، نفتح أبواب الأمل للأجيال القادمة لضمان مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة، بعيداً عن التقلبات الاقتصادية العالمية