فاز الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو بتاريخ 26 / تشرين الثاني / 2025 في الانتخابات الرئاسية للمرة السابعة على التوالي ،و الدستور في بلاده يسمح بالترشح المستمر مادام الشعب يصوت له و لمنافسيه ، ولا منافس قوي له وسط الليبرليين و الشيوعيين و المعارضة و البرلمان عموما ، وحصل على نسبة تصويت هي الاعلى منذ عام 1994 ، حيث بلغت أكثر من 86 %، و فاز قبله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرة الخامسة بدستور يسمح بتداول السلطة وحصل على أعلى نسبة تصويت عام 2024 وصلت إلى 86 % أيضا ، وكلاهما من مدرسة الاتحاد السوفيتي ، والرئيس الاذري حيدر الييف حكم 21 عاما ، و الرئيس الكازاخي نزاربايف حكم 30 عاما ، و حكم الزعيم جوزيف ستالين بين أعوام 1924 و 1953 قبلهم 29 عاما ، مما يعني أن الحكم في أساسه في المنطقة الشرقية السلافية سوفييتي التقليد و الطابع ، و لا يعكس نمطا ديكتاتوريا كما يصور ذلك الغرب من منظور الحرب الباردة و سباق التسلح ،و إنما كان دائما باحثا عن الجودة ، و معدن الرجال ، و الاستقرار ، ومنع الاختراق الخارجي عبر التحصين الداخلي .
لماذا انتخاب لوكاشينكا في بيلاروسيا مجددا ، و مجددا ، و ليس غيره ؟ الشعب البيلاروسي يجيبكم ، و بوجود مراقبين دوليين في انتخاباته الرئاسية ، فهو رئيس فولاذي تتوازن شخصيته مع شخص الرئيس بوتين ، و تشكل بلاده بيلاروسيا خط الدفاع الأول عن روسيا ، وعن اتحاد الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي ، و تمتلك رؤوسا نووية تحت الادارة الروسية ، و غيرها من نوع " أريشنيك " الفتاكة ، وكلها غير متوفرة في الدول الأخرى المنسلخة عن الاتحاد ، و بالمناسبة لوكاشينكا عارض تفكيك الاتحاد السوفيتي ، لكن قرار تفكيكه لم يكن فرديا بل جماعيا بقيادة مخيائيل غورباتشوف بتاريخ 25 ديسمبر 1991 ،ولأسباب اقتصادية ،و غيرها ذات العلاقة بالديمقراطية والمكاشفة و الحرية و الاستقلال ، و الصهيونية كانت دائما على خط عملية الإنهيار. و بطبيعة الحال لم يكن قرار التفكيك حينها سليما ،و تسبب في إنهيار جبهة شرقية اقتصادية و سياسية عملاقة بإكملها . و لم يتفق لاحقا الرئيس بوتين مع رواية تفكيكه و اعتبرها خطأ تاريخيا تمكن من معالجته بقبول اتحاد الدول المستقلة ، و بالتوجه لبناء عالم متعدد الأقطاب يشمل شرق و جنوب العالم ، و يبقي الباب مفتوحا على الغرب.
اختلفت بيلاروسيا عن أوكرانيا " كييف " بعد مرحلة الاتحاد السوفيتي ، فبقيت صامدة في خندق القطب الروسي العملاق ،و لم يغريها حضارة الغرب ، و رغم أنها لم تدخل الحرب الأوكرانية مع روسيا مباشرة دفاعا عن سيادة روسيا ، إلا أنها شكلت عاملا مساعدا لها و وسط جبهتها ، وساهمت بقوة في اقناع نظام " كييف " بالتوجه للسلام و العزوف عن الحرب عبر توقيع اتفاقية " مينسك " لعام 2015 ، و اشركت في حوارها روسيا ، و فرنسا ، و المانيا . لكن أمريكا -جوبايدن ،و بريطانيا – باريس جونسون أفشلوا الاتفاقية و دفعوا بها لقبول الحرب مع روسيا بهدف استنزافها وسط سعير الحرب الباردة و سباق التسلح ،وهو ما ترفضه روسيا و الصين معا . وبعد قدوم الرئيس الأمريكي ترامب 2025 يبقى الأمل معقودا لوضع حد للحرب الأوكرانية التي استنزفت أموال حلف " الناتو " بقيادة أمريكا ، وكلفت خزائن الغرب أكثر من 300 مليار دولار و بنتيجة على الطاولة الرملية وصلت للصفر .
رئيس قوي في بيلاروسيا مثل لوكاشينكو ، و أقوى في روسيا مثل بوتين ضمانة حقيقية لأمن الشرق و العالم ، و تعاون بيلاروسي و روسي على كافة المستويات الاقتصادية ، و السياسية ، و اللوجستية أيضا أنقذت لوكاشينكا من محاولة انقلاب فاشلة عام 2021 نفذتها أيدي غربية . وتمتاز بيلا روسيا بقوة اقتصادها الذي يحتل المرتبة 72% عالميا ويعتمد اشتراكية السوق ، وبناتج محلي وصل إلى 192 مليار دولار ، وزاد عن ذلك ، وقاعدة صناعية و زراعية و طنية عريضة وسط البنية التحتية ،و اعتماد على النفط و الغاز الروسي بشكل أساسي ، و تقدم في التنمية البشرية ، و نظام صحي متطور و متميز ، واستباب الأمن فيها ، و بنظافتها . و بأنفتاحها على الدول الراغبة بعلاقات دبلوماسية كاملة معها .
فوز لوكاشينكو المتكرر الذي أدهش الغرب ، أثار انتباه قناة " سبوتنيك " الروسية في بيروت ، ووجهت لي مساء الأثنين 27 / كانون الثاني / 2025 ، سؤالا حول شكوك الغرب بنتيجة الانتخابات الرئاسية البيلاروسية ، و أجبتهم بأنها شأن بيلا روسي محض ، و بأن الغرب تعامل مع النتيجة من زاوية الحرب الباردة و سباق التسلح مع المعسكر الشرقي بقيادة روسيا الاتحادية رغم وجود مراقبين دوليين. وحول إذا ما كان ممكنا انعقاد لقاء بين الرئيس الأمريكي ترامب و الرئيس الروسي بوتين في الوقت القريب القادم ، أجبتها ، بأنني لا أتوقع ذلك حاليا بسبب انشغال ترامب بشؤون اقتصاد أمريكا و الاستثمار الخارجي لدرجة عدم تمكنه بالتفكير بجدية بمعالجة قضية غزة و نكبتها ، و قضية الشعب الفلسطيني المناضل ، فتسرع بتبني الرواية الإسرائيلية دون تكليف نفسه من أن يوسع حلقة استشاراته أو الاستماع لزعماء العرب ، فطالب الجوار العربي ( مصر و الأردن ) قبول التهجير الطوعي للفلسطينيين بسبب كارثة البنية التحتية في غزة ، بينما كان و لازال قادرا على أن تعيد بلاده أمريكا العظمى بناء غزة التي حولتها إسرائيل النازية إلى ركام فوق جثث شهداء الانقاض ، و أمريكا هي من ماطلت السلام في غزة و تسببت في مزيد من قتل الأبرياء من أهلنا في فلسطين. ومن يستحق التهجير هم اليهود الرحل القادمون إلى فلسطين ولم يولدوا فيها . و بأن أمريكا و روسيا تحركان الوساطة الصينية و الهندية و البرازيلية لتقريب وجهات النظر بينهما ، بينما المطلوب انعقاد جلسات مشتركة تمهيدية على مستوى الخارجية في كل بلد منهما .
وحول امكانية الاستفادة من توجه ترامب الاقتصادي حسب سؤال لقناة سبوتنيك لي ، أجبت بأن تفكيره سلبي ، فقد يلجأ لتخفيض سعر النفط ليضغط على روسيا لكي تتجه لحوار " كييف " بشروطها . و تصريح سابق و جديد للرئيس بوتين مفاده ، لولم تسرق نتيجة ترامب الرئاسية الأولى عام 2020 لما بدأت الحرب الأوكرانية أصلا ، و بأن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي المنتهية ولايته لا يملك أحقية توقيع وثائق السلام ، بينما يملك رئيس البرلمان ذلك بالعودة للدستور الأوكراني .
والمطلوب هنا من دول العالم المراقبة للوضع القائم في بيلاروسيا و انتخاباتها الرئاسية التي حظيت بتأييد عدد كبير من زعماء العالم و في مقدمتهم رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين ، ترك بيلاروسيا و شأنها ، لكي تدير مسارها الوطني و القومي وكما تريد ، و ليس أدرى بالشأن البيلاروسي من بيلاروسيا نفسها ، و من رئيسها المنتخب عدة مرات متتالية مثل لوكاشينكا ، المعروف بوطنيته ، و اخلاصه لبلده بيلاروسيا ،و هو العامل على خدمتها و جاهز للدفاع عنها دوما .