لماذا نؤمن بكابتن الطائرة .. ونشك بموظف الحكومة؟! ..
محمود الدباس - ابو الليث
29-01-2025 12:49 AM
ما بين كابتن الطائرة.. وموظف الحكومة.. مساحة شاسعة من الفارق.. بين المسؤولية والانضباط.. وبين الاستهتار وترهل الأداء.. فبينما يحرص كابتن الطائرة على الالتزام بكل التفاصيل الدقيقة.. ويتبع كتيب الطيران.. خطوة بخطوة.. حتى لو حفظه عن ظهر قلب.. ومهما تخطت ساعات قيادته للطائرة آلالف الساعات.. لأنه يدرك.. أن أقل خطأ.. أو نسيان.. قد يهدد حياة مئات الركاب.. نجد موظفاً حكومياً قد ينسى إجراءً بسيطاً في معاملة.. فتكون العواقب أشد خطورة.. ليس على شخص واحد فحسب.. بل على مستقبل استثمار.. أو حتى حياة مجتمع بأكمله..
هذا الموظف الذي يحمل على عاتقه مسؤولية تسهيل معاملات المستثمرين.. أو المواطنين.. قد يغفل عن توقيع بسيط.. أو إجراء مكتوب.. يؤدي إلى تعطيل مشروع استثماري.. أو خسائر مالية فادحة.. وربما إفلاس مستثمر.. وضع كل أمله في مشروع.. ينتظر الموافقات النهائية.. ولا يدرك هذا الموظف.. أن نسيانه.. أو تغافله ليس مجرد خطأ عابر.. بل قد يكون جرحاً عميقاً في جسد الاقتصاد الوطني.. أو قنبلة موقوتة.. تفجر ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة..
وهنا يبرز السؤال.. لماذا لا تكون هناك إجراءات واضحة ومتسلسلة.. لا تقبل القفز أو التجاوز؟!.. لماذا لا يتم وضع نظام آلي محكم.. لا يسمح للمعاملة بالانتقال من مرحلة إلى أخرى.. إلا بعد اجتياز كل خطوة من الخطوات المطلوبة.. وفي زمنها المحدد؟!.. نظام يفرض على كل موظف.. التأكد من سلامة الإجراءات قبل إحالتها للجهة التالية.. بحيث لا يكون هناك مجال للترهل.. أو النسيان.. ويضمن أن كل إجراء قد تمت مراجعته.. والتأكد من صحته..
إن الاستهانة بهذه التفاصيل الصغيرة.. قد تبدو في ظاهرها أموراً بسيطة لا تؤثر على الصورة الكبرى.. لكنها في الحقيقة.. تشبه شرارة صغيرة في كومة قش.. يمكن أن تتحول إلى حريق هائل.. ولهذا فإن الحل لا يكمن فقط في أنظمة رقابية.. أو أتمتة للإجراءات.. بل في خلق ثقافة المسؤولية والانضباط.. حيث يدرك كل موظف.. أن توقيعه.. أو إجراءه.. هو حلقة في سلسلة متكاملة.. وأن أي خلل فيها.. قد ينسف كل ما بُني..
إن كابتن الطائرة.. يعلم أن الرحلة لن تكتمل بسلام.. إلا إذا سار على النهج بدقة.. فلماذا لا يكون كل موظف حكومي.. ككابتن طائرة؟!.. ويدرك ويؤمن.. بأن عمله ليس مجرد وظيفة.. أو ساعات يمضيها.. بل هو أمانة.. ومسؤولية تجاه وطن بأسره..