تتجاوز أهمية خطاب الملك يوم الأحد الماضي ما تضمنه إلى توقيته. إذ جاء ليضع نقطة تنهي السجال حول موقف الدولة من مخرجات لجنة الحوار، وضرورة احترامها من قبل مراكز القرار الرئيسة، بعد أن بدأنا نلمح "تذمراً" و"عدم ارتياح" من جهات رسمية مختلفة.
الضمانة الملكية هي أدبية ورمزية، ذلك لا يعفي المخرجات من المرور عبر القناة الدستورية المعروفة، من الصياغة الحكومية إلى مجلس النواب في دورته الاستثنائية الثانية، وأن تأخذ مشروعات القوانين حقها من السجال والتطوير، بما لا يخل بجوهرها ولا بالمبادئ التي تضمنتها والأهداف التي سعت إليها.
العقبة الحقيقية، هنا، تكمن في الأجواء التي تهيمن على مجلس النواب، وعنوانها الخشية من "شبح الحل"، ما يجعل من سيناريو "عرقلة القانون" والتصدي لمخرجات اللجنة هو الأرجح. وقد بادر عدد من النواب، حتى المحسوبين على الدولة، إلى إعلان مواقف مبكّرة تتوعد بإسقاط مخرجات اللجنة.
في مثل هذه الظروف الاستثنائية؛ ومع بروز مظاهر الحشد والتعبئة من قبل "الحرس القديم" ضد مخرجات لجنة الحوار الوطني، وفي المقابل وجود ضرورة وطنية ماسة للمسارعة في الإصلاح السياسي على الأرض، مع الحراك الداخلي والتحولات الإقليمية البنيوية، فإنّ التفكير سيكون مطروحاً بسيناريوهات تتجاوز العقبات المتوقعة، وتضع سطراً جديداً في المعادلة السياسية. الخشية لدى أعضاء في اللجنة وتيار إصلاحي واسع بدت خلال الأيام الماضية تتجاوز الحملة على المخرجات إلى مسار الإصلاح السياسي بأسره، إذ كانت الرسائل التي تصل من الدولة تشي بارتداد إلى وراء ومحاولة الالتفاف على الحدّ الأدنى من المطالب الشعبية والسياسية المحقة، وتحديداً بعد واقعة 25 آذار (مارس) وأحداث الزرقاء. اليوم، الجميع في السلطة التنفيذية، في الحدّ الأدنى، ملزمون بضمانات الملك ليس فقط لمخرجات الحوار، بل أيضاً لأهداف الإصلاح السياسي التي رسمها بوضوح؛ حكومة برلمانية وتداول سلطة، بالتوازي مع إصلاحات اجتماعية واقتصادية.
في خطاب الملك، أيضاً، رسائل أخرى يجدر بالمسؤولين قراءتها مراراً وتكراراً، وإعادة التفكير في تصميم سياسات الدولة وعلاقتها بالمجتمع والناس على ما تفرضه من قيم وأحكام، مثل حديث الملك أنّ الهوية الوطنية لا تتحدّد بالأصول والمنابت، ورفضه احتكار أي جهة إدعاء الإصلاح، وترسيخ المواطنة كمبدأ حاكم بين الجميع، ووقوفه على مسافة واحدة من مختلف الأطراف، وهذه جمل تحدد –تماماً- أين يقف الملك في السجالات والنقاشات الجارية في البلاد.
القضية الأخيرة، تتمثّل في العلاقة مع الحركة الإسلامية، ذلك أنّ الأجواء عادت للتوتر بعد أن تحسّنت قليلاً قبل الثورات الديمقراطية العربية. وهنالك قناعة لدى "مطبخ القرار" أن الإسلاميين لا يريدون الوصول إلى "وصفات تفاهمية" على الحوار، ويفضلون فرض أجندتهم من خلال الاحتكام إلى الشارع، واستنساخ "السيناريوهات" العربية الأخرى، رغم أنّ "مطبخ القرار" يمدّ يديه إليهم. في المقابل؛ فإنّ "فجوة الثقة" ما تزال تحكم العلاقة بين الإسلاميين والدولة، إذ إنّ "الإخوان" يعلنون أنهم لا يشعرون بأنّ هنالك جدّية في الإصلاح، ولديهم قلق من أنّ السياسة الرسمية تهدف فقط إلى احتواء الحراك الشعبي من دون الوصول إلى إصلاح حقيقي جوهري.
إذا أردنا الإنصاف، فإنّ قلق الإسلاميين عموماً مبرّر، لأنّنا نجد أنفسنا أمام أكثر من خطاب رسمي ورهانات متعددة، تجعل من رسالة الدولة بهذا الصدد مشتتة ومرتبكة، وهو ما يمنح خطاب الملك أهمية استثنائية، ويفتح الباب مرّة أخرى لإمكانية إعادة فتح قنوات الحوار والتفاهم بين الدولة والإسلاميين والقوى المختلفة على أجندة الإصلاح وروزنامته، فلا بديل عن الحلول التوافقية.
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)