احتفال المقاتلين .. رسالة للصمود أم تجاهل للجراح؟!
محمود الدباس - ابو الليث
23-01-2025 02:59 PM
حين تطوى صفحة معركة قاسية امتدت لقرابة 450 يوماً.. يتطلع الجميع إلى لحظات تضيء الطريق.. وسط ظلام الموت والدمار.. لكن تلك اللحظات قد تتحول إلى مادة جدلية.. عندما تتخذ شكلاً يصعب على البعض تقبله.. وهنا تحديداً تتجلى الصورة المثيرة للجدل.. ظهور المقاتلين في أبهى حلة.. يحتفلون كأن شيئاً لم يكن.. فهل هو إعلان للنصر؟!.. أم تجاهل لعمق المعاناة؟!..
قد يعكس هذا التصرف رغبة المقاتلين في إظهار القوة والتماسك النفسي.. بعد مواجهة مدمرة.. فالأزمات الطويلة.. تترك أثراً عميقاً في الروح.. ويُعتبر التعبير عن الثبات والفرح.. وسيلة لإعادة بناء الذات.. وتعزيز الشعور بالنصر لدى الأفراد والمجتمع.. علماء النفس يشيرون إلى أن الأفراد الذين يمرون بصدمات جماعية.. يميلون أحياناً إلى الاحتفال كآلية دفاعية.. تعزز لديهم الشعور بالتحكم والسيطرة على الواقع.. كما أن هذا المشهد.. قد يُفسَّر كرسالة للعدو مفادها.. أن المقاتلين لم يُهزموا.. ولم تنكسر إرادتهم.. وأن قدرتهم على مواجهة الحياة برغم الجراح.. ما زالت قائمة.. وهو ما قد يحمل بعداً رمزياً لمجتمع يبحث عن أمل وسط الدمار..
لكن على الطرف الآخر.. فإن هذا السلوك.. قد يُقرأ بشكل مختلف تماماً من قبل المتضررين مباشرة من الحرب.. إذ يرى علماء الاجتماع.. أن المجتمعات المنكوبة.. تتوقع من قياداتها وأفرادها المقاتلين.. تبنّي مواقف تُشعرهم بالتعاطف والتضامن.. لا الاستعراض.. فالظهور الفاخر.. والسيارات الجديدة.. بين الأشلاء والدمار.. قد يزيد من الإحساس بالفجوة بين القيادات والمجتمع.. بل وقد يُنظر إليه كنوع من الإنكار للألم.. الذي عاشه الناس.. ومن منظور اجتماعي.. يُعتبر التصرف بهذا الشكل.. غير عقلاني بالنسبة لمن فقدوا أحبابهم.. أو من دُمرت منازلهم.. حيث يصبح من الصعب تقبل صور الفرح.. في مشهد لم يُلملم جراحه بعد.. وقد يؤدي هذا السلوك إلى شعور بالإحباط.. أو حتى السخط.. مما يهدد التماسك المجتمعي الضروري.. لإعادة البناء النفسي والجسدي..
الحقيقة كما يرى خبراء علم النفس والاجتماع.. ليست في الأبيض.. أو الأسود.. بل في فهم السياق.. وتركيبته المعقدة.. فمن جهة.. الاحتفال قد يكون وسيلة للتعبير عن الصمود.. وإعادة بناء الروح المعنوية.. لكنه في ذات الوقت.. يحتاج إلى توازن عاطفي.. وأخلاقي.. يحترم مشاعر الناس وآلامهم.. التحدي الأكبر لا يكمن في الاحتفال ذاته.. بل في الرسالة التي تصل إلى الناس.. هل يرون في هذا المشهد.. طاقة تعزز أملهم في الحياة؟!.. أم انعكاساً لتجاهل واقعهم؟!.. بين هذه الزوايا.. تتشكل المعادلة.. وتظهر الحاجة إلى قيادة واعية.. تُوازن بين الانتصار في المعركة العسكرية.. والانتصار في معركة القلوب والنفوس..
علينا أن نعي تماماً.. أن كل حركة.. أو كلمة.. في مشهد ما بعد الحرب.. تحمل دلالة أعمق من ظاهرها.. والقيادة الواعية.. هي التي تدرك.. أن النصر الحقيقي.. لا يُقاس فقط بساحات القتال.. بل بمدى قدرتها على احتواء شعبها.. واحترام آلامه.. وتحويل مظاهر الاحتفال.. إلى طاقة تعزز الوحدة لا الانقسام..
وهنا يتعين على قيادة المقاومة.. أن تدرك حساسية المرحلة.. وخبث عدوها.. وتتدارك ما قد يثير استياء أبناء غزة.. الذين تحملوا ويلات الحرب.. حتى وإن كان هذا الاستعراض من باب إظهار القوة والأنفة.. لأن الكيان الإسرائيلي.. لن يفوت فرصة كهذه.. وسيعمل بكل وسائله على بث الفرقة بين صفوف الغزيين.. وتشويه صورة المقاومة في أعين من آمنوا بعدالتها وصمودها..