اتفاق غزة .. وتطورات الساعات الاخيرة
فيصل تايه
16-01-2025 11:12 AM
اشارت تطورات الساعات الأخيرة إلى انفراجة واضحة في مفاوضات التهدئة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" ، حيث تحدثت مصادر عن اتفاق وشيك على وقف إطلاق النار برعاية أمريكية ومصرية وقطرية ، قبيل اعلان رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مساء الأربعاء التوصل رسميا لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة ، بعد أكثر من خمسة عشر شهراً من الدمار والمعاناة وحرب الإبادة في قطاع غزة ، ليأتى اتفاق الصفقة ووقف إطلاق النار ليمنح الأهالي بصيص أمل في استعادة الحياة تدريجياً ، بعد توقف القصف والقتل العشوائي، خاصة ضد المدنيين والأطفال، إلى جانب إدخال المساعدات الإنسانية، ما يمثل خطوة أولى نحو التخفيف من الأزمة الإنسانية المتفاقمة واستعادة أنفاس الحياة، خاصة في شمال غزة.
اما عن الاتفاق فيشتمل في بنوده على ثلاث مراحل ويتضمن البدء اولاً بنتفيذه بوقف لاطلاق النار اعتباراً من الساعة الثانيه عشرة والربع من ظهر يوم الاحد القادم التاسع عشر من يناير الحالي ، شاملاً للعمليات العسكرية، ثم تبادل الأسرى ، اذ وحسب الاتفاق ستطلق حماس سراح "٣٣" رهينة مقابل إطلاق عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين ، مع موافقة جانبي التفاوض بتواصل العمل على استكمال الجوانب التنفيذية ، ما يضمن انسحابًا إسرائيليًا تدريجيًا من قطاع غزة ، مع العمل مع الطرفين بشأن التركيز على خطوات تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والتزام الوسطاء "قطر ومصر والولايات المتحدة" بالعمل على مراقبة وضمان تنفيذ ذلك ، ومتابعة أي خروق قد تحدث ، اما عن تفاصيل المرحلتين الثانية والثالثة فانها ستاتي بعد الانتهاء من المرحلة الأولى ، كما من الواضح ان الاتفاق سيأتي بالسلام والاستقرار في المنطقة وبذلك فان المسؤولية بكل جوانبها ستكون ملقاة على عاتق طرفي الاتفاق .
من الواضح ان "بنود الاتفاق" تحمل في طياتها تحديات كبيرة تتعلق بالتنفيذ والثقة المتبادلة ، اذ لا تزال هناك العديد من التفاصيل العالقة ، أبرزها الالتزام بتنفيذ الاتفاق، ومرحلة ما بعد التهدئة ، حيث إن التزام حماس بالاتفاق يصب في مصلحتها ، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة التي قد تحمل تعقيدات لا تقل عن الحرب نفسها، لكن يبدو أن كلاً من حماس وإسرائيل قد وصلتا إلى مرحلة من الإرهاق العسكري والسياسي ، ما دفعهما إلى النظر بجدية إلى خيار التهدئة ، ما يشير إلى أن ضرورة الانتقال من وقف إطلاق نار "جزئي" إلى تسوية سياسية شاملة ، لكن ذلك قد يواجهه تحديات وعراقيل كبيرة ، بسبب السياسات الإسرائيلية المستمرة في التوسع الاستيطاني والحصار.
لكن ومن وجهة نظر إسرائيلية، فان الإفراج عن المحتجزين لدى حماس يعتبر إحدى النقاط الأكثر حساسية ، إلى أن إسرائيل مستعدة لدفع ثمن باهظ لتحقيق ذلك ، لكنها ترى في الاتفاق انه مجرد مرحلة أولى قابلة للتعقيد في المراحل اللاحقة ، خصوصًا مع احتمال عودة التوتر في أي لحظة ، لكن الحصار الإسرائيلي يُعتبر بحد ذاته حربًا متواصلة، ما يجعل الالتزام الإسرائيلي بالتهدئة محل تساؤل كبير ، لكن حماس ، وعلى الرغم من الانتقادات التي تواجهها، أثبتت قدرتها على إدارة التصعيد والتهدئة بشكل منضبط، لكنها تطالب بإجراءات عملية لتحسين الوضع الإنساني والاقتصادي في القطاع.
اننا وعندما كنا نتتبع مسار المفاوضات وقبل الوصول الى هذا الاتفاق ، لاحظنا ان تعنت انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة ، وهو ما كان محل خلاف كبير في المفاوضات واحد أبرز معالم الخلاف ، اذ كانت تؤكد إسرائيل كل مرة رغبتها في الاحتفاظ بسيطرتها على بعض المناطق الحدودية، ما كان يثير شكوكًا فلسطينية حول نواياها الحقيقية من ذلك ، لكننا الآن وبعد هذا السياق فأن التحدي الأكبر سيكون في ضمان عدم عودة التصعيد بعد الاتفاق ، خاصة مع استمرار إسرائيل في سياستها التوسعية الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس .
اما على المستوى الفلسطيني الداخلي ، فان المؤشرات تدل على ان الاتفاق يعكس انقسامًا داخليًا في المواقف تجاه حماس ، اذ أن حركة حماس ما زالت تحظى بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني، لكنها تواجه معارضة من بعض الفصائل الأخرى بسبب خياراتها السياسية والعسكرية لكن أي اتفاق كان يجب أن يرافقه تحسين للوضع المعيشي للفلسطينيين ، وإلا فقد ينقلب الوضع ضدها.
أما على الجانب الإسرائيلي الداخلي ، فإن المعارضة اليمينية ترى في أي تنازل لحماس نوعًا من الاستسلام. ورغم ذلك، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية، تحت ضغط المجتمع الدولي ومن عائلات المحتجزين، مستعدة لتقديم تنازلات غير مسبوقة.
اما فيما بتعلق بالحديث عن تهدئة دائمة في غزة ، فان ذلك يبعث بعض الأمل، لكنه يأتي في سياق معقد مليء بالتحديات ، رغم أن الاتفاق الذي اعلن الليله يحمل في طياته فرصًا لتحقيق الهدوء، إلا أن نجاحه يعتمد على الالتزام الحقيقي بتنفيذه من قبل الطرفين كما سبق وتحدثت ، وعلى وجود رؤية واضحة لما بعد الحرب.
واخيرا ، يبدو ان الاحتلال الإسرائيلى سيودع غزة بمزيد من الاباده ومزيد من الدمار لحين ان تدنو ساعة الصفر لبدء سريان وقف اطلاق النار وهو ظهيرة يوم الاحد القادم ، رغم المطالبة بالتهدئة كبادرة حسن نية من الطرفين ، لكن عقلية الكيان الإسرائيلي التوحشية تابى الا كسب الوقت حتى اخر رمق لإيقاع المزيد من الضحايا ومزيد من الدمار بلا هوادة او حساب لاية اعتبارات انسانية .
بقي ان اقول اننا الأن ورغم كل ذلك فاننا نامل ان يتم تنفيذ بنود الاتفاق بكل شفافية ، ونرى ان المرحلة الأولى قد تكون سهلة التنفيذ، لكن الخشية من المشكلات الحقيقية التي يمكن ان تبدأ في المراحل اللاحقة.
والله ولي الصابرين