مع انقضاء موسم الانتخابات النيابية وما حملت من نتائج مفاجئة، غابت معظم الأحزاب السياسية عن المشهد. قانون الانتخاب ألزم الاحزاب بالمشاركة في الانتخابات على مستوى القائمة العامة وترك لها الباب مفتوحا للمشاركة بصفتها الحزبية على مستوى الدائرة المحلية.
تشكلت كتل حزبية في مجلس النواب وتبعتها ائتلافات فيما بينها باستثناء كتلة حزب جبهة العمل الإسلامي الذي حافظت على حضورها المعهود في البرلمان. وفي أجواء المناقشات النيابية لبيان الحكومة، ظهرت الأحزاب من خلال كلماتها لكن دون التزام كامل في المواقف التصويتية. تراجع الحضور الحزبي قليلا في مناقشات مشروع قانون الموازنة العامة، وتشتتت الاتجاهات التصويتية عند الكتل والائتلافات، فيما كتلة العمل الاسلامي حافظت على وحدة موقفها.
الأهم هو غياب تلك الاحزاب عن الفضاء العام في البلاد، واختفاء حضورها وصوتها تقريبا في القضايا العامة، حتى الكتل البرلمانية لم نعد نسمع عن نشاط يذكر لها، فلا اجتماعات لأعضائها ولا بيانات تحدد مواقفها من المسائل المطروحة.
ربما تكون نتائج الانتخابات قد مثلت صدمة لعدد من الأحزاب، وهذا متوقع في ضوء التقديرات السابقة. وهناك تسريبات تفيد بأن معظم تلك الأحزاب تخوض عصفا داخليا لاستخلاص الدروس والعبر من نتائج الانتخابات، وثمة حديث عن مشاورات فيما بينها للاندماج وتوحيد الصفوف للجولات الانتخابية القادمة؛ نقابية وبلدية ومحلية وصولا للنيابية بعد أربع سنوات.
لاشك أن هذا التوجه للاندماج هو خيار صحيح، فعديد الأحزاب تتشابه في مبادئها وبرامجها، وما من سبب يحول دون اندماجها سوى الاعتبارات الشخصية التي تطغى أحيانا على الصالح العام.
لكن أيا تكن نوايا الأحزاب اليسارية أو الوسطية، فإن من أهم شروط إنجاز الاندماج الناجح، خوض نقاش عام ومفتوح في أوساط قواعدها، وجعله متاحا لعامة الناس ووسائل الاعلام، نقاش يتناول الوضع القائم وأسباب الإخفاق في الانتخابات، ويطال منهجية تشكيل الأحزاب واختيار قياداتها، وحالة الديمقراطية داخلها، وممارسة أرقى مستويات النقد الصارم للتجربة السابقة لاستخلاص العبر قبل الدخول في تجارب اندماج فاشلة تعيد انتاج القوالب السابقة.
وفي أوساط هذه الأحزاب قيادات وازنة وعاقلة لا أظنها مستعدة لاختبار الفشل مرة ثانية، ما يتطلب شجاعة في مواجهة الحقائق ومغادرة حالة السكون السائدة في أوساطها، والتحرر من الحسابات الشخصية والقيود الفئوية. والنقاش المطلوب ينبغي أن يكون من طراز سياسي رفيع، يضمن التأسيس لخط سياسي حزبي بهوية واضحة المعالم تميز الحزب عن غيره من الأحزاب، والحرص على انتاج عصبية سياسية حزبية تميز لون الحزب وتضمن انتاج جيل من الحزبيين المؤمنين بمبادئه والمستعدين لخوض المعارك الانتخابية والسياسية دفاعا عن خطه، لا أحزاب يتسابق قادتها على المناصب فيما القواعد معزولة بلا هدف أومصلحة وطنية.
معظم الأحزاب مختفية حاليا لا صوت ولا خبر، واستمرار هذه الحال يعني خسارتها في المستقبل، لا بل تلاشى حضورها، ومعها تعثر مشروع التحديث السياسي، وربما انكساره.
الغد