غزة بين الانتظار والفرح الممنوع
نيفين عبد الهادي
16-01-2025 12:54 AM
غزة العِزّة، غزة أسطورة النضال والصمود، بين انتظار وترقّب الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار وبين مشاعر بدء حياة ستكون مختلفة حرفيّا عما قبل الحرب على القطاع، وبين حالة «الفرح الممنوع» وبين مجازر إسرائيلية ما تزال تستهدف أحياء ومنازل الأهل في غزة، لتعيش غزّة هذه الأيام في مرحلة «بين» من عدم الوضوح والترقب الحذر.
بعد أكثر من عام على حرب غيّرت من شكل قطاع غزة بكافة تفاصيله، غيّرت من جغرافيا المكان وتفاصيله وسكانه، سرقت من ألوان الطبيعة والفرح، وأبقت لونا رماديا يسيطر على المكان، رماد حرب أقل ما توصف به أنها مجازر إبادة، وأبقت أرامل وأيتاما وقضت على عائلات كاملة ألغيت من السجلات المدنية، وتركت من فقدوا أطرافهم ومعاقين، وتركت دمارا لكافة منازل القطاع فما عاد الغزيون يعرفون أين كانوا يسكنون، ورغم كل هذا فهم اليوم ينتظرون بأمل كبير وقف إطلاق النار، فهذه الحرب التي تجاوزت العام بثلاثة أشهر آن لها أن تتوقف، فقد نال الدمار والقهر والعذاب والجوع والعطش من كل مواطن غزيّ.
ووفقا للتسريبات التي يُعلن عنها بين الحين والآخر، فإن اتفاقا بات يلوح بالأفق، يفرض شرعية الأمل بقادم أفضل، وغدت الإيجابية تسيطر على التعامل مع الاتفاق، وقد أعلنت إسرائيل أنها سلمت خرائط الانسحاب والتوقيت وإذا تم توقيع الاتفاق خلال أيام وربما ساعات سيكون أول تبادل للأسرى يوم الأحد المقبل، قابل ذلك تسليم حركة المقاومة حماس الوسطاء ردا إيجابيا على مسودة الاتفاق، تحديدا بعد تسلم خرائط انسحاب جيش الاحتلال من مراكز المدن في قطاع غزة، وكل هذه التفاصيل قابلها حالة من الفرح الحذر أو الفرح الممنوع بين أهالي قطاع غزة، بانتظار سماع جملة واحدة تقول إن الاتفاق قد تم توقيعه.
غزة، بين الانتظار والقلق الممزوج بالفرح، آلاف الحكايات، وآلاف الأوجاع، وآلاف الحالات، كلها تقف على قارعة طريق الزمن للوصول إلى وقف الحرب وعلى الفور، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فقد شبع تراب غزة دما، وباتت أراضي القطاع مليئة بمقابر الشهداء، وآن الأوان لتنبت بذور السلام، فقد طال مكوثها تحت تراب الحرب، آن الأوان ليصبح مسموحا فرح أهلنا في غزة، على الرغم أن بداخلهم الدمع والحزن والقهر والعزاء والوجع، لكن من أبسط الحقوق البشرية أن ينعموا بفرح السلام.
ذات يوم، سوف تستفيق غزة وشعبها الجبار على رائحة بحرها العذبة، بعيدا عن رائحة الرصاص والقذائف، وسيمضي أهلنا في غزة لإعمار وطنهم، رابطين على قلوبهم حزنها، ساعين لبناء ما دمره الاحتلال الإسرائيلي في مدة حرب هي الأطول بتاريخ الحروب، سيبنون أنفسهم ومنازلهم ومؤسساتهم، إذ يليق بهم الفرح والعيش الكريم، بل هم أكثر من يليق بهم ذلك، تقترب عقارب ساعة الزمن من موعد حلم به الغزيون ونادى به حماة ودعاة السلام وأولهم الأردن، موعد وقف الحرب، وبدء حياة غزة ما بعد حرب 7 تشرين الأول 2023.
هي أيام وربما ساعات، بدأ العد التنازلي لها، لوقف حرب أنهكت غزة، والمنطقة والعالم، وقف حرب آن لها أن تخمد نيرانها، وآن لغزة أن تنعم بحياة طبيعية، ولو كانت بحدودها الدنيا، وآن لأطفال غزة أن يعودوا لبقايا منازلهم، يلملمون ما تبقى من ألعابهم وكتب مدارسهم، وعدد منهم صور عائلاتهم التي فقدوا عددا من أفرادها، حقيقة هو حلم ندعو الله أن يصبح حقيقة قريبا، وتعود غزة العزة مدينة الحياة.
الدستور