الرداد يكتب: كي لا تكون الدولة الفلسطينية فرصة مهدورة
عمر الرداد
15-01-2025 04:26 PM
ربما ساعات، سيتم الإعلان عن بدء تنفيذ الصفقة بين اسرائيل وحركة حماس، لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار وليس وقف الحرب، وبعيدا عن الأجواء الاحتفالية التي يتم الإعداد لها لإعلان النصر المتنازع عليه بين الجانبين، ما يهمنا هنا بوصفنا مؤيدين للحق الفلسطيني في الاستقلال والدولة، ادراك انه بعد كل هذه التضحيات في غزة لا بد من أثمان توازيها على الجانب الفلسطيني، فاذا كانت الانتفاضة الأولى عام 1987 أنجزت اتفاق أوسلو الذي أسس الكيانية والدولة الفلسطينية، فإن ما جرى في السابع من أكتوبر 2023، يستوجب ثمنا أكبر بكثير من اوسلو، الذي اصبحت صيغته لا تلبي لا الطموحات الفلسطينية، ولا الاشتراطات الاسرائيلية، التي بنت موافقتها عليه بمرجعية أمنية فقط.
الصفقة التي ستعلن على أبعد تقدير مع حفل تنصيب الرئيس ترامب، تتضمن الكثير من التفاصيل المكررة، حول إعداد المفرج عنهم، وما بين نساء ورجال وعسكريين ومدنيين وحدود الانسحاب الاسرائيلي، وعودة النازحين لا سيما الى شمال غزة، وضمانات بعدم ملاحقة قادة حماس واموالهم وارصدتهم، واقامة المفرج عنهم من الجانب الفلسطيني...ووالخ،وبالتزامن مع ذلك هناك خلافات داخل اسرائيل، عنوانها ابتزازات سموريتش وبن غفير، ورشوتهما بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية.
واضح ان تفاصيل الصفقة اقل اهمية مما يعرف باليوم التالي للحرب، فما بعد وقف إطلاق النار ليس كما قبله، والمؤكد ان عنوانين سيتصدرا المشهد الفلسطيني بعد الصفقة، الأول: انتقال الفعل العملياتي الى مناطق الضفة الغربية، في إطار مشروع اسرائيلي يميني تلمودي،هدفه توسيع مساحات الاستيطان، وتفكيك السلطة الفلسطينية، بوصفها عنوانا للكيانية والهوية الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، وممارسة اقسى الضغوط لافراغ الضفة من سكانها، والثاني: هذا الزخم الدولي والعربي الذي يتمسك بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، والتي تضم الضفة والقدس وقطاع غزة.
مؤكد ان هناك فرصة تاريخية اليوم في ظل هذا الزخم الدولي والإقليمي والعربي، قاسمه المشترك الدفع باتجاه اقامة دولة فلسطينية، ورغم ان هناك الكثير من التفاصيل حول هذه الدولة" حدودها وسيادتها وعلاقتها مع إسرائيل وتكوينها...الخ" الا ان ما يميز هذا الدفع اليوم أنه إذا كان أوسلو قد تم انجازه من قبل القيادة الفلسطينية "بصورة منفردة" وبدون غطاء عربي ودولي واسلامي، وهو ما وفر لاسرائيل فرصة الانقضاض عليه، فإن الدولة المطروحة اليوم، يتوفر لها غطاء عربي" الدول العربية رغم خلافاتها الا ان دولة فلسطينية تشكل قاسما مشتركا لها" وآخر دولي" تمثله روسيا والصين والدول الأوروبية" بالإضافة للغطاء الإسلامي الذي تمثله تركيا، ولا يستبعد ان تنضم اليه ايران في مرحلة لاحقة، إذا ما توفرت الظروف المناسبة للفريق الإصلاحي في إيران بقيادة الثلاثي" بزكشيان، عراقجي وظريف".
ووفقا لثنائية السياسي والعسكري، فإذا كانت السلطة الفلسطينية تمثل الوجه السياسي للجانب الفلسطيني، وحماس تمثل الوجه العسكري، فإن المفاوضات حينما تتوقف الحرب يتولاها الجانب السياسي، وهو ما يعني ان على حماس وفصائل المقاومة، بعيدا عن الرومانسية السياسية، ان تكتفي ب"الإنجاز" الذي حققته، وتسلم التفاوض للسلطة الفلسطينية، ليس بوصفها القيادة المثالية، ولكن بوصفها العنوان المعترف به عربيا ودوليا، ودون ذلك بحال استمرار الفصائلية الضيقة ، فالمؤكد ان الفلسطينيين سيكونون أمام فرصة مهدورة جديدة ، وآن لهذا الهدر ان يتوقف، فلم تعد القضية الفلسطينية بكل قدسيتها تحتمل البقاء ورقة مرهونة لمغامرات المغامرين،فلسطينيين وعربا او مسلمين.
* خبير امن استراتيجي / مدير عام الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية