الغذاء الفاسد: هل يستحق الربح التضحية بالقيم الإنسانية؟
د. هاني الضمور
15-01-2025 11:39 AM
في عالم الأعمال، يُفترض أن تكون الأمانة والجودة أساس كل نشاط تجاري، ومع ذلك، نشهد اليوم ظاهرة خطيرة تهز هذه القيم، وهي بيع الغذاء الفاسد تحت غطاء من الإعلانات المضللة والشعارات الزائفة، السؤال الذي يفرض نفسه: كيف يمكن لأي تاجر أو شركة أن يرضى بتسويق منتجات يعلم أنها تهدد صحة الناس؟ وهل يستحق الربح التضحية بأخلاق المهنة والقيم الإنسانية؟..
الغذاء ليس مجرد سلعة؛ إنه حاجة أساسية لبقاء الإنسان. عندما يتحول هذا الغذاء إلى خطر بسبب فساد البعض، تصبح القضية أكبر من مجرد مخالفة قانونية. إنها جريمة أخلاقية وقيمية قبل أن تكون صحية، الإسلام الذي يدعو إلى النزاهة في المعاملات يضع الغش في خانة الكبائر، حيث قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “من غشّنا فليس منا”. فما الذي يدفع البعض إلى هذا الجشع الذي يتنافى مع كل المبادئ الدينية والإنسانية؟.
إن بيع الغذاء الفاسد ليس مجرد استغلال اقتصادي، بل هو اعتداء صارخ على ثقة المستهلك، الثقة هي ركيزة أي علاقة تجارية، وعندما يتم خداع المستهلك بمنتجات غير صالحة للاستهلاك، تُنسف هذه الثقة تمامًا. في عصر أصبح فيه العميل أكثر وعيًا بحقوقه، تسعى الشركات إلى بناء سمعة قوية تقوم على المصداقية والجودة، لكن ماذا عن تلك الشركات والتجار الذين يُخاطرون بسمعتهم من أجل مكاسب قصيرة الأجل؟ هل يدركون أن كشف مثل هذه الممارسات يمكن أن يدمر علامتهم التجارية إلى الأبد؟..
الجهات الرقابية تلعب دورًا أساسيًا في حماية المجتمع من مثل هذه الكوارث، لكنها ليست المسؤولة الوحيدة. الرقابة الرسمية تبذل جهودًا كبيرة لضبط الأسواق، لكن مهما بلغت كفاءتها، لا يمكنها بمفردها مراقبة كل شحنة غذاء وكل متجر. المسؤولية تقع على عاتق الجميع، بدءًا من المنتجين الذين يجب أن يلتزموا بأعلى معايير الجودة، وصولًا إلى المستهلكين الذين يجب أن يكونوا أكثر وعيًا بما يشترونه.
المشكلة لا تكمن فقط في غياب الرقابة الكافية أو ضعف العقوبات المفروضة، بل في تهاون بعض التجار والشركات الذين يفضلون الربح السريع على حساب القيم الأخلاقية. هذا السلوك ينعكس على المجتمع بأسره، حيث تتزايد حالات التسمم الغذائي والأمراض المزمنة نتيجة تناول أطعمة ملوثة أو ذات جودة متدنية.
الإعلانات التي تروّج لهذه المنتجات قد تكون براقة ومغرية، لكنها تحمل في طياتها خداعًا كبيرًا. عندما تُسوّق المواد الغذائية الملوثة على أنها طازجة وصحية، فإن ذلك يعكس غيابًا تامًا للأمانة والمسؤولية الاجتماعية. التسويق الحقيقي ليس مجرد بيع منتج؛ إنه التزام بتقديم قيمة حقيقية للمستهلك وضمان سلامته ورضاه.
في النهاية، نجاح أي شركة أو تاجر لا يُقاس بعدد المنتجات التي يبيعها، بل بمدى الثقة التي يبنيها مع عملائه. الغذاء الفاسد جريمة تتجاوز حدود الربح والخسارة؛ إنها مسألة حياة أو موت. من يختار التضحية بالقيم والأخلاق من أجل المال يضع نفسه في مواجهة ضميره ومجتمعه وربه. فهل يستحق هذا الربح الزائف أن نخسر إنسانيتنا؟.