في العلاقات الأردنية الروسية .. ماهي المعايير المشتركة؟
د.حسام العتوم
15-01-2025 11:17 AM
بخطوة شجاعة من مليكنا العظيم الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه ، و التي قابلها الرئيس السوفيتي نيكيتا خرتشوف بمثلها ، تم تدشين العلاقات الأردنية ، التي مثلت المملكة الأردنية الهاشمية مع روسيا السوفيتية انذاك بتاريخ 21 / أغسطس / اب 1963 وسط الحرب الباردة و سعير سباق التسلح بين الاتحاد السوفيتي وبكل ما ملك من جبروت عسكري عبر حلف ( وارسو ) ، و اقتصادي ، و سياسي ، و الولايات المتحدة الأمريكية العظمى و حلف ( الناتو ) . وشكل الأردن وقتها ميزان السياسة بين الشرق و الغرب ،وهو المسار الذي ارتاحت له القيادة السوفيتية تباعا ، و أمريكا و أوروبا ، وتفاخر العالم حينها و لازال بحكمة الحسين الراحل و بعد نظره . وقادت العلاقات الأردنية – السوفيتية لفتح افاق الاعتراف العربي بالاتحاد السوفيتي ، و لفتح علاقات مع الغرب الأمريكي ، و بتوازن .
يحلو للبعض في أيامنا هذه ،ومن بينهم المثقفين ، اعتبار الاتحاد السوفيتي أول من اعترف بإسرائيل في عهد الزعيم جوزيف ستالين ، بينما سبقته لتلك الخطوة الولايات المتحدة الأمريكية في زمن الرئيس هاري ترومان بفارق ثلاثة أيام ( 14 مايو 1948 الولايات المتحدة الأمريكية . 17 / مايو / 1948 الاتحاد السوفيتي ) ، ويعتبرون الخطوة السوفيتية منتقدة ولا يتحدثون عن تلك التي سبقتها الأمريكية . وما فعلته إسرائيل ويهودها و صهاينتها وقتها هو الالتفاف على الأمم المتحدة المؤسسة عام 1945 لحصد الاعتراف بها ،و تستمر حتى الساعة بالمحافظة على وجودها في الحرب و السلم ، محملة التكلفة المادية و البشرية للعرب و للعالم شرقا و غربا . وكان هدف الاتحاد السوفيتي من الاعتراف بإسرائيل هو شحن يهود الحرب العالمية الثانية بعد تضرر أرقام كبيرة منهم جراء " الهولوكوست " إلى جانب شعوب أوروبا ،و نشر الاشتراكية في منطقتنا .
وتعايش الأردن مع المد الاشتراكي و الشيوعي لدرجة القبول بدمجه في المجتمع و في السياسة ، و السماح لسليمان النابلسي ( الشيوعي ) بتشكيل الحكومة الأردنية السابعة و الثلاثون ، التي اشترك فيها الشيوعيون ،و الحزب الوطني الاشتراكي ، وحزب البعث العربي الاشتركي بتاريخ 29 / تشرين أول / 1956 .ويسجل لحكومة النابلسي تحريك الشارع الأردني ،و الضباط الأحرار تجاه الدفع بتعريب قيادة الجيش العربي الأردني بتاريخ الأول من أذار عام 1956 ،و هو القرار السيادي الحكيم و المتقدم و المغوار الذي اتخذه الملك الحسين الراحل للتخلص من الانتداب البريطاني ومعاهدة عام 1946 التابعة لها ، ومن كلوب باشا و معاونيه ، و القدوم بقيادة عسكرية أردنية خالصة تقدمها الباشا راضي عناب . ولقد زار الحسين موسكو السوفيتية عامي 1967 وفي ثمانينات القرن الماضي وزرع بنفسه شجرة الحياة في حديقة " ديندراره " في مدينة سوتشي على البحر الأسود بعد زيارته لمدينة ليننغراد وقتها . ويسجل لدولة مضر بدران رحمه الله أن رفض إدانة الاتحاد السوفيتي بعد تفجيره لطائرة ركاب كورية قادمة من أمريكا عام 1983 بسبب اختراقها أجواء منطقة -سخالين - الروسية بالقرب من اليابان ، وكان الأردن وقتها يشكل الكفة الراجحة في تصويت مجلس الأمن ، والسبب ارتبط بتصريح لشارون هدد أمن الأردن وتعلق بما تسمية إسرائيل ( بالوطن البديل ) ، و هو الأمر الذي تعاملت معه أمريكا بدم بارد . ( مضر بدران . القرار . ص 237 /238 / 239 ) .
ولقد واصل جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله تمتين العلاقة الأردنية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، وزارها تسع مرات ، وزار الرئيس باريس يلتسين الأردن عام 1999 معزيا بوفاة الملك حسين رحمه الله ، وزار الرئيس بوتين الأردن مرتين ،و عرج فيهما على منطقة المغطس حيث عمد السيد المسيح عليه السلام و باعتراف " الفاتيكان " ، وسمح جلالة الملك لروسيا ببناء كنيسة هناك ، و قبل أيام تم افتتاح كنيسة كاثوليكية بنفس الموقع ، وشهدت فلسطين في مدينة " بيت لحم " ميلاد المسيح " . و تعاون أردني – روسي متواصل على كافة المستويات ، الاجتماعية ، و الثقافية ، و الاقتصادية ، و الطبية ، و السياسية ، و الدبلوماسية ، و العسكرية ، وعبر سفارتي البلدين الأردن و روسيا ، ومن خلال وزارتي الخارجية . وعلاقات رفيعة المستوى بين جلالة الملك و الرئيس بوتين يمكن وصفها بالحميمية و الصداقة الدافئة . ولدينا في الأردن نادي ، و جمعية ، و جالية ،و مركز ثقافي ، و سفارة روسية ، تعمل كلها على ترسيخ أواصر العلاقات بين بلدينا ، ( نادي ابن سينا ، و جمعية الصداقة ، و روسكي – مير ، ونادي السيدات ، و الجاليات ) ، ومنحا دراسية سنوية يقدمها الجانب الروسي للأردن بنحو 180 منحة في كافة التخصصات و الدرجات العلمية . و السفارة الروسية بعمان ناشطة في متابعة الشأن السياسي و الدبلوماسي و الثقافي تماما كما السفارة الأردنية في موسكو . و توسيع شبكة السفارة السياسية و الإعلامية أمر هام في المقابل هناك في موسكو و هنا في عمان .
الأردن بالنسبة لروسيا أكبر من علاقات اقتصادية و تبادل تجاري بحدود النصف مليار دولار ، و تنظر لنا روسيا من زاوية جيوسياسية شرق أوسطية ، وكما هي روسيا ميزان عالمي دولي ، الأردن أيضا ميزان مشابه خاصة في ميدان الشرق الأوسط ،و العلاقة مع إسرائيل عبر معاهدة سلام منذ عام 1994 ،و مع ايران منذ عام 1949 ،ومع شرق و جنوب العالم ، ومع الغرب ، ومع أمريكا تحديدا ، وهو الأمر المفيد سياسيا لروسيا . ويقيم الأردن عبر جلالة الملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي علاقات محايدة في شأن الحرب الروسية – الأوكرانية ومع " الناتو " بالوكالة ، و توجه بينهما مبكرا للحوار و الوساطة و عبر الجامعة العربية بمشاركة مباشرة لرئيسها أحمد أبو الغيط .
لقد أصبح مطلوبا في أيامنا هذه و للمحافظة على مسار العلاقات الأردنية – الروسية ، تفعيل الزيارات الرئاسية و الملكية و تنشيطها ،فهناك في روسيا يرتاحون لجلالة الملك و يحبونه ، و هنا في الأردن الرئيس بوتين محبوب أيضا ، وكصحفي وكاتب لي ملاحظات شخصية في هذا المجال أسجلها دائما في ترحالي . وكانت اخر زيارة ناجحة لجلالة الملك لموسكو عام 2021 – زيارة دولة ، وزار الرئيس بوتين أخر مرة عام 2012 ،وكانت هامة . و السياحة الدينية المسيحية للأردن محتاجة لتفعيل ملفها إلى جانب العلاجية حيث البحر الميت ، و الحجيج الإسلامي الروسي عبر الأردن تجاه مكة المكرمة و العربية السعودية متواصل ، و ينوي الأردن إنشاء متحف للديانة المسيحية و للسيد المسيح في منطقة المغطس في المقابل من شأنه أن يشجع حركة السياحة الدينية المطلوبة . و المفاعل النووي السلمي الروسي – الأردني ( الصغير المدمج ) محتاج لتفعيل دوره في خدمة الطاقة الأردنية و تحلية المياه بعدما كلف مبلغا باهضا و رواتب خيالية مرتفعة ( تكلفة المشروع النووي في حسبته الأولى 10 مليارات دولار ) ، وهو مشترك .و المنح الدراسية التي يقدمها الجانب الروسي لطلبة الأردن محتاجة لتوسيع شبكتها . و الأردن و روسيا محتاجان لشراكة إعلامية لتوضيح صورة الأحداث الجارية في الشقين العربي و الروسي ، و سبق لصاحب السمو الملكي الأمير الحسن أطال الله بعمره أن اقترح عام 2013 في مؤتمر خريجي روسيا في مدينة مادبا تأسيس قناة عربية ناطقة باللغة الروسية التي تشكل الثالثة بعد العربية و الأنجليزية هنا في الأردن . و الحديث الروسي و الأردني طويل و ممتع ،و يتطلب وقتا اضافيا و مساحات أوسع من المقالات و الكتب المتخصصة التي أساهم بجزء منها ،و الحمد لله . و للحديث بقية أكيد .