مجلس تكنولوجيا المستقبل: رؤية ملكية لنهضة شاملة
د.م. أمجد الشباطات
14-01-2025 08:27 PM
في ظل التحولات الإقليمية السريعة، بات من الواضح أن الأردن بحاجة إلى إعادة تقييم أولوياته ورسم مسار عملي لمواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة. دول الجوار تتقدم بخطوات واسعة نحو تحقيق نهضات شاملة، ما يجعل التحدي أكثر إلحاحًا للأردن لتحديد موقعه في هذا المشهد المتغير.
على سبيل المثال، تشهد المملكة العربية السعودية تحولًا نوعيًا في جميع القطاعات. مشاريع مثل “نيوم” ليست مجرد خطط طموحة، بل هي نموذج لرؤية استراتيجية تستغل الموارد الطبيعية والبشرية بطرق مبتكرة لتأسيس مركز عالمي جديد. هذا النوع من التخطيط يعتمد على الرؤية الواضحة والتنفيذ المدروس، حيث يتم تفعيل الكفاءات لتحقيق تغييرات جذرية تدفع الاقتصاد والمجتمع إلى الأمام. كما أن فوز السعودية باستضافة كأس العالم 2034 يعكس المكانة المتقدمة التي حققتها المملكة إقليميًا ودوليًا، ويمثل فرصة لتعزيز دورها الجيوسياسي والاقتصادي في المنطقة.
أما في سوريا، فبوادر التغيير تشير إلى مرحلة جديدة تحمل فرصًا مختلفة. إعادة تشكيل النظام السياسي والاجتماعي تفتح الباب أمام بناء هوية وطنية جديدة، حيث الكفاءة هي المعيار، والانتماء للوطن يُصبح مصدر الفخر. مع ذلك، فإن هذه التغيرات ليست مضمونة النجاح دون تخطيط واستغلال للفرص التي تلوح في الأفق. هذا يدفعنا إلى التفكير في موقع الأردن وسط هذه التحولات: هل نبقى متفرجين أم نبادر؟
في الأردن، على الرغم من وجود رؤية ملكية تمثل خارطة طريق واضحة للنهوض، إلا أن التنفيذ يعاني من تحديات هيكلية. العقبات الإدارية والفساد لا تزال تعيق تحقيق هذه الرؤية، وتحول دون استغلال الإمكانيات الكامنة في الكفاءات الوطنية والمجالات الحيوية. ومع ذلك، هناك خطوات ملموسة تعكس نية جادة للتغيير، مثل توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني بتشكيل مجلس وطني لتكنولوجيا المستقبل.
تشكيل هذا المجلس خطوة استراتيجية تستهدف تعزيز مكانة الأردن كدولة متقدمة في مجال التكنولوجيا، مع التركيز على إيجاد حلول مبتكرة للتحديات الوطنية. المجلس، برئاسة رئيس الوزراء ومتابعة مباشرة من سمو ولي العهد، يُظهر اهتمامًا كبيرًا بوضع التكنولوجيا كجزء أساسي من مسيرة التنمية.
من المهم أن نتوقع ونسعى لأن يعمل المجلس على استكشاف فرص توظيف الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية مثل الصناعة والطاقة والزراعة والمياه. هذه المجالات تحمل إمكانيات كبيرة يمكن أن تسهم في تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية إذا ما تم دمج التكنولوجيا المتقدمة فيها. وعلى الرغم من أن بعض هذه القطاعات شهدت تقدمًا عالميًا، إلا أن هناك قطاعات مثل الإنشاءات لا تزال “عذراء” نسبيًا من حيث الاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي. إدخال التكنولوجيا في هذا المجال يمكن أن يغير قواعد اللعبة، من خلال تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة وتحسين السلامة.
إلى جانب ذلك، يجب أن يركز المجلس على بناء استراتيجيات تعليمية وتدريبية تواكب التطورات التكنولوجية العالمية. التعليم التقليدي لم يعد كافيًا في عصر يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. هناك حاجة ماسة لإعادة صياغة المناهج وطرق التعليم لتكون أكثر انسجامًا مع متطلبات السوق المحلي والإقليمي، وتشجيع الإبداع والابتكار لدى الشباب الأردني.
التكنولوجيا ليست هدفًا بحد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق تنمية شاملة تُحدث فرقًا ملموسًا في حياة الناس. استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون موجهًا لتحسين الخدمات العامة، مثل الصحة والتعليم والنقل، بالإضافة إلى تعزيز الكفاءة في إدارة الموارد الوطنية.
هذا المجلس يمثل فرصة كبيرة للأردن إذا ما تم التعامل معه بعقلية منفتحة وخطة مدروسة. يمكن أن يكون منصة لدمج الأفكار الجديدة وإطلاق مشاريع ريادية تضع الأردن على خارطة الابتكار العالمي. لكن النجاح يعتمد على التفاصيل الدقيقة؛ فلا يكفي أن تكون الفكرة جيدة، بل يجب أن يكون التنفيذ محكمًا وواقعيًا لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.
إن تشكيل مجلس وطني لتكنولوجيا المستقبل يعكس إدراك القيادة لأهمية التكنولوجيا في إعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع. المبادرة ليست مجرد استجابة للتطورات العالمية، بل فرصة للأردن لتطوير نموذج تنموي خاص به، يستفيد من موقعه الجغرافي، وطاقاته البشرية، وموارده الطبيعية. إذا ما تم استغلال هذه الفرصة بالشكل الصحيح، فقد تكون نقطة تحول تُسهم في تعزيز مكانة الأردن في المنطقة والعالم.