الفكرة ليست حجراً يُلقى .. بل أثرٌ يُبنى ..
محمود الدباس - ابو الليث
14-01-2025 03:52 PM
العقل البشري ليس منفصلاً عن بيئته.. بل هو نتاج تفاعل دائم مع ما حوله.. يأخذ من هنا ومضة.. ومن هناك فكرة.. ويمزجها بخبرته وثقافته.. ليُنتج إبداعاً جديداً.. وليس من المبالغة القول.. إن كل فكرة هي امتداد لفكرة أخرى.. قديمة أو معاصرة.. وما الكتابة إلا رحلة عبور.. بين ما نراه ونفكر فيه.. وما نقدمه للناس..
في هذا الإطار.. يتساءل البعض.. هل نحن سارقون عندما نكتب فكرة لم تكن وليدة لحظة خالصة من بنات أفكارنا؟!.. الجواب يكمن في فهم طبيعة الإبداع نفسه.. فالإبداع ليس انفصالاً عن الماضي.. أو الحاضر.. بل هو إعادة صياغة.. وترتيب.. وبناء.. وإضفاء للروح الشخصية على ما هو موجود.. كالشاعر الذي يكتب قصيدته.. ثم يأتي المغَني.. ليجعلها تصل إلى أذن وعاطفة المستمع.. فهل يُقال للمغني إنه سارق لأنه لم يكتب الكلمات؟!..
إن التكاملية البشرية تقتضي أن نعمل معاً.. أن نلتقط الأفكار من بعضها البعض.. أن نصوغها.. ونطوّرها.. ونقدمها بصور مختلفة.. هناك من يُبدع في التفكير.. وهناك من يُتقن الصياغة.. وهناك من بتقن الإعداد.. وهناك من يتقن الإلقاء والتقديم.. وهناك من يمتلك الكاريزما لإيصال الفكرة للآخرين.. ولا ضير في أن تُنسب الجهود إلى جماعة.. أو فريق إذا كان العمل متكاملاً.. ولكن عندما يكون العمل فردياً بجهد واضح يُنسب لصاحبه.. فإن الإنصاف يقتضي الإشارة إلى المصدر.. إذا كان النقل مباشراً..
أما من يعتب على عدم ذكر اسمه لمجرد أن فكرة عابرة قالها في مجلس.. أو مجموعة إلكترونية ألهمت كاتباً آخر.. فعليه أن يتذكر أن الإلهام هبة لا تُملك.. وأن الفكرة التي تُلقى كحجر في ماء ساكن.. ليست حكراً على من ألقاها.. بل هي لمن جعلها تموج وتتحرك وتصل..
في هذا الفضاء الرحب.. نحن لا نُطالب بأن نُثقل النصوص بالإشارات لكل فكرة ومصدر.. لأن ذلك يشتت القارئ عن جوهر الرسالة.. إلا إذا كان النقل مباشراً عن كتاب.. أو مقال منشور.. أو تصريح رسمي.. أو إذا كان الموضوع يستند إلى نصوص أو معلومات لا يجوز تجاوز أمانة نسبها.. ولكن في السياقات العامة.. يكفي أن ندرك.. أننا نتشارك جميعاً في بناء هذا الإرث الفكري.. ونقدم ما لدينا بروح من التعاون والتكامل..
إننا في النهاية لا نكتب ليُقال إننا كتبنا.. بل لنترك أثراً.. ولنُحيي فكرة.. ولنُلهم من يأتي بعدنا.. فمن فهم ذلك.. أدرك أن العبرة ليست في الاسم المكتوب.. بل في الأثر الذي يُصنع..