ارشيدات يكتب: تداعيات صفقة تبادل الأسرى .. "قراءة تحليلية"
د. صالح ارشيدات
14-01-2025 01:00 PM
يأتي هذا المقال لتسليط الضوء على قضية صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل والفلسطينيين، مستعرضًا تداعياتها السياسية على حكومة نتنياهو، والتوترات الداخلية والإقليمية التي أثارتها، بالإضافة إلى دور القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة، في دفع هذه الصفقة نحو التنفيذ. من خلال هذا التحليل، نسعى لفهم التعقيدات التي تحيط بهذا الملف، والذي لا يقتصر تأثيره على المستوى المحلي الإسرائيلي، بل يمتد ليشمل الساحة الدولية.
أزمة داخلية تهدد استقرار حكومة نتنياهو
تعكس صفقة تبادل الأسرى حالة من الانقسام العميق داخل حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية. فالوزير المتشدد إيتمار بن غفير، المعروف بمواقفه المتطرفة تجاه الفلسطينيين، أعلن تهديده بالاستقالة احتجاجًا على هذه الصفقة، التي يراها تنازلًا غير مقبول أمام الفلسطينيين. لم يقتصر الأمر على بن غفير، بل تشير التقارير إلى أن وزير الحرب ووزير الاستيطان، المعروفين بمواقفهما اليمينية المتطرفة، قد يلحقان به.
هذا التوتر الداخلي يعيد إلى الأذهان تجربة إسحاق رابين، الذي دفع حياته ثمنًا لمحاولاته تحقيق السلام مع الفلسطينيين والأردنيين عام 1994. الخلافات الحالية قد تؤدي إلى انهيار الائتلاف الحاكم، وهو ما يضع نتنياهو في موقف شديد الصعوبة؛ فهو أمام خيارين كلاهما مرّ: إما المضي قدمًا في صفقة التبادل رغم المعارضة الشديدة من وزرائه المتشددين، أو مواجهة احتمالات انهيار حكومته.
صفقة التبادل: دعم شعبي ومعارضة سياسية
على الرغم من التوتر داخل الحكومة، فإن الشارع الإسرائيلي والمعارضة السياسية يدعمان الصفقة بقوة. وفقًا لاستطلاعات الرأي، أعرب العديد من الإسرائيليين عن تأييدهم لإتمام الصفقة، خاصة في ظل الضغوط الاجتماعية والإنسانية المرتبطة بعودة الأسرى. المعارضة الإسرائيلية، التي نادرًا ما تقف في صف الحكومة، أعلنت استعدادها لدعم نتنياهو لإتمام الصفقة. هذا الدعم قد يمنحه فرصة للتغلب على معارضة الوزراء المتشددين، إلا أنه يبقى رهنًا بقدرته على إدارة التحالف الحكومي المتصدع.
الدور الأميركي: بايدن وترامب على الخط
تمثل الولايات المتحدة طرفًا محوريًا في ملف صفقة تبادل الأسرى، حيث أبدى الرئيس جو بايدن دعمه القوي لإتمامها، مؤكدًا على أهميتها الإنسانية والسياسية. إلا أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب أظهر موقفًا أكثر تشددًا، مهددًا الأطراف المختلفة بضرورة الالتزام بالصفقة، في خطوة تهدف إلى تعزيز صورته كرجل قوي قبيل تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة.
الدعم الأميركي للصفقة يعكس المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة. فإدارة بايدن تسعى إلى تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، بينما يرى ترامب في الصفقة فرصة لإظهار قوته وإعادة بناء تحالفاته مع إسرائيل قبل العودة إلى البيت الأبيض. ومع ذلك، فإن التهديدات التي يطلقها ترامب قد تزيد من تعقيد الوضع، خاصة إذا ما شعر المتشددون في حكومة نتنياهو بالضغط لتغيير مواقفهم.
صفقة التبادل: بين التحديات السياسية والإنسانية
إن صفقة تبادل الأسرى ليست مجرد قضية سياسية، بل تحمل أبعادًا إنسانية عميقة. الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية يمثلون قضية محورية في الوجدان الفلسطيني، وعودتهم تمثل نصرًا رمزيًا للشعب الفلسطيني. في المقابل، تعني عودة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية تهدئة للرأي العام الإسرائيلي وضمانًا لاستقرار الحكومة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستتمكن حكومة نتنياهو من الموازنة بين التحديات السياسية الداخلية والضغوط الدولية لإتمام الصفقة؟ أم أنها ستواجه مصيرًا مشابهًا لحكومة رابين في التسعينيات؟
السيناريوهات المحتملة لمستقبل حكومة نتنياهو
1. إتمام الصفقة رغم المعارضة الداخلية
في حال قرر نتنياهو المضي قدمًا في صفقة التبادل، فإنه سيحتاج إلى إجراء تعديلات وزارية لاستيعاب الخلافات داخل حكومته. دعم المعارضة قد يمنحه متنفسًا سياسيًا، إلا أن هذا الخيار قد يؤدي إلى تفاقم غضب المتشددين، مما يزيد من احتمالات تفكك الحكومة على المدى البعيد.
2. تعديل الصفقة لتجنب الاستقالات
قد يسعى نتنياهو إلى إجراء تعديلات على شروط الصفقة لإرضاء الوزراء المتشددين، وهو خيار صعب ولكنه قد يكون حلًا وسطًا يتيح للحكومة الحفاظ على استقرارها. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو قد يؤدي إلى إطالة أمد المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، مما يثير استياء الشارع الإسرائيلي.
3. انهيار الحكومة وتشكيل ائتلاف جديد
في حال تصاعد الخلافات داخل الحكومة، قد يضطر نتنياهو إلى الاستقالة أو تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة المعارضة. هذا السيناريو قد يهدد مسيرته السياسية، إلا أنه يظل خيارًا مطروحًا في ظل تعقيدات المشهد السياسي.
انعكاسات صفقة التبادل على المنطقة
لا تقتصر تداعيات صفقة تبادل الأسرى على إسرائيل والفلسطينيين فقط، بل تمتد لتشمل المنطقة بأسرها. إتمام الصفقة قد يسهم في تهدئة التوترات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، ويفتح الباب أمام مفاوضات أوسع بشأن قضايا أخرى. إلا أن الفشل في إتمامها قد يؤدي إلى تصعيد الأوضاع، مما يهدد الاستقرار في المنطقة.
الخلاصة:
تمثل صفقة تبادل الأسرى اختبارًا حقيقيًا لقدرة حكومة نتنياهو على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. في ظل الانقسامات الحادة داخل الحكومة، والدعم الشعبي والمعارضة السياسية للصفقة، يبقى السؤال: هل سينجح نتنياهو في تحقيق توازن بين المصالح السياسية والضغوط الإنسانية؟ أم أن هذه الصفقة ستكتب نهاية حقبته السياسية؟
إن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار هذه القضية. وفي ظل دعم الولايات المتحدة ودور القوى الإقليمية، يبقى الأمل معقودًا على إيجاد حل يرضي جميع الأطراف، ويجنب المنطقة المزيد من التصعيد.