بقي البطيخ فترة طويلة يحتل مكانة متقدمة في حياة الانسان الأردني ، فهو رافد أساسي للأمثال ، ومساعد اقتصادي مهم، بالإضافة الى قيمته الغذائية التي تعتبر آخر ما يتطلع اليه المستهلك صاحب الدخل «المهدود»..
ومن بعض الأمثال على سبيل الذكر لا الحصر ، « الجيزة زي البطيخة يا بتطلع بيضا يا بتطلع حمرا».. لاحظوا أن أهم مشروع شراكة يقوم به الإنسان بحياته ( الزواج) شبّه «بالبطيخة».. وهذا يدل على أهمية هذه المادة في حياتنا ليأخذها مضرباً لأهم «مقلب» يأكله طوال عمره ..وفي ذات السياق ينصح من يقوم بعملين في نفس الوقت بالمثل القائل:»بطيختين بالأيد ما بتنشال»..وهنا يدخل البطيخ من أوسع أبواب الوقار والحكمة ..كما يستدل به كمؤشر أمان عندما نقول «حطّ ابطنك بطيخة صيفي»..ونلجأ اليه عند اليأس او التعبير عن الغضب فنقول « بلا كذا بلا بطيخ أمّسمر»...
***
اما من الناحية الاقتصادية، فما زال البطيخ بمتناول الجميع.. فيعدّ وجود قشرة بطيخة جوفاء كما لو انها «طاقية» شخص مرمية بالقرب من كوم «رمل» أو «سقالة» منصوبة مشهداً اعتيادياً ، حيث لا تخلو ورشة «قصارة» أو «طوبار « من بطيخة تطفو على سطح احد البراميل الصدئة ، يتم نحرها عند الظهيرة وقسمتها بين العمال والمعلّمين بالتساوي دون وجود ادنى فروقات طبقية ..كما أنها اقل الوجبات تكلفة بالنسبة لرب الأسرة «المعوز» ، وهي المنقذ الوحيد الذي «يبيّض» وجه المعزّب اذا ما داهمه ضيف «خبط لزق» من غير موعد، آناء الليل او أطراف النهار..
***
اما من الزاوية الاجتماعية ..فقد كان للبطيخة «المدحولة» تحت الخابية هيبة منقطعة النظير..كنا نحوم حولها ، ونلحس قشرها اذا ما اختلينا بها وقت الضحى ، وسعيد الحظّ منا من يستطيع أن يطبطب عليها براحة يده اليمنى في غياب ولي الأمر..ثم عند انتصاف النهار..كنا نجلس ركبة ونصّ حول «السدر» تماماً كما يفعل المجتهدون من طلبة العلم..نحاول تثبيت السدر «أثناء التشقيح» بمحاولة صورية للمساعدة، تنزل أنظارنا طولياً مع السكين ..من فوق الى اسفل وعندما ينتهي التحزيز الطولي يبدأ التحزيز الأفقي فتتساقط البطيخة على شكلّ أهلّة حمراء..يتناول كل منّا «حزّ» بحجم قوس قزح ثم يبدأ «بالرشف» السريع المتلاحق...أما ماء البطيخ المنسكب من اكواعنا وافواهنا..كان كفيلاً أن يغسلنا من جنابة الجوع يوماً كاملاً...
جدير بالذكر ، أن البطيخ قد «قلّت» اهميته في السنوات الأخيرة..بعد ان صار بطيخاً « حداثياً «يأتينا على شكل «حذوات» وبصحون بيضاء صينية بينما شوكة الطعام مسجاة على يمينه..حيث لا مجال للفغم او الرشف أو الاغتسال...
***
بصراحة لا اعرف ما الذي دعاني للكتابة عن البطيخ في هذا اليوم..ربما لأن الحديث عنه مجرّد»فغم في القشور»...
ahmedalzoubi@hotmail.com
(الرأي)