التصعيد الإسرائيلي المستمر: قراءة استراتيجية
د. ليث عبدالله القهيوي
14-01-2025 01:06 AM
تشهد الأراضي الفلسطينية تصعيدًا خطيرًا في العمليات العسكرية الإسرائيلية، وسط ظروف إنسانية كارثية في قطاع غزة، وتصعيد ميداني في الضفة الغربية ، هذا الوضع يعكس عمق الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وتعقيداته التاريخية والسياسية، ويثير تساؤلات حول ديناميكيات المواجهة الحالية وتأثيراتها الاستراتيجية على مستقبل المنطقة.
قطاع غزة، المحاصر منذ سنوات طويلة، يعاني من انهيار شامل في البنية التحتية بسبب العمليات العسكرية المستمرة. الغارات الجوية والقصف المدفعي يتسببان في خسائر بشرية كبيرة، حيث يستهدفان مناطق سكنية ومدنية ومرافق حيوية. هذا المشهد يعكس استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تقويض القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية، وخاصة حركة حماس، ومنع إطلاق الصواريخ تجاه المدن الإسرائيلية. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تزيد من عزلة غزة وتفاقم الأزمة الإنسانية فيها، ما يثير تساؤلات في تحقيق أهدافها طويلة المدى.
في الضفة الغربية، تسير الأحداث بوتيرة مختلفة لكنها لا تقل خطورة ، تصاعد الاقتحامات العسكرية الإسرائيلية في مدن مثل جنين ونابلس يعكس تصميمًا على تقويض أي محاولات لتنظيم عمليات مقاومة، ولكن هذه العمليات تتسبب في تدمير البنية التحتية الفلسطينية وزيادة الغضب الشعبي، مما يؤدي إلى دورة جديدة من التوترات والمواجهات، القدس الشرقية، باعتبارها نقطة توتر دائمة، تشهد هي الأخرى تصعيدًا ملحوظًا في الانتهاكات بحق الفلسطينيين، ما يعمق الشعور بالاستهداف ويزيد من تعقيد المشهد.
إقليميًا، التصعيد له تداعيات استراتيجية واسعة، فالدول المجاورة مثل مصر والأردن تضغط لوقف التصعيد، لكنها تواجه تحديات كبيرة في تحقيق تهدئة طويلة الأمد بسبب غياب رؤية دولية متكاملة لحل الصراع. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار التوتر يفتح المجال لتدخلات إقليمية ودولية أوسع، مما يزيد من احتمالية توسع الصراع إلى مستوى إقليمي، خاصة في ظل تصاعد الحساسيات بشأن المسجد الأقصى وتزايد المخاوف من تصعيد ديني أوسع نطاقًا.
دوليًا، المجتمع الدولي يظهر استجابة محدودة وغير متكافئة مع حجم الأزمة ، الأمم المتحدة والجهات الإغاثية تحذر من كارثة إنسانية وشيكة، لكن غياب إرادة سياسية دولية فعالة يعيق الجهود الرامية لوقف العنف وإيجاد حلول جذرية ، والمواقف الدولية المتباينة بين دعم إسرائيل كحليف استراتيجي لبعض الدول والتنديد بأفعالها من قبل أخرى تعكس التباين العميق في مقاربات التعامل مع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
استشراف المستقبل يتطلب تحليلًا معمقًا لعدة سيناريوهات محتملة. أولاً، قد يستمر الوضع الراهن مع تصاعد دوري للعنف وغياب أي تقدم سياسي، وهو ما يعني استمرار معاناة الفلسطينيين وزيادة تعقيد المشهد الإقليمي. ثانيًا، قد يحدث تصعيد شامل ينقل المواجهة إلى مستوى أوسع، خاصة إذا استمرت الانتهاكات في القدس أو تفاقمت التوترات على الحدود مع لبنان أو سوريا، وهذا السيناريو يحمل مخاطر استراتيجية كبيرة لجميع الأطراف المعنية، بما في ذلك إسرائيل والدول المجاورة.
السيناريو الثالث والأقل احتمالًا هو تحقيق تهدئة طويلة الأمد بوساطة دولية أو إقليمية ، مثل هذا السيناريو يتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة وضمانات أمنية لجميع الأطراف، ولكنه لا يعالج جذور الصراع. أما السيناريو الرابع والأكثر تفاؤلاً فهو الوصول إلى حل سياسي شامل يقوم على حل الدولتين، مع ضمانات دولية لتحقيق العدالة والسلام ، لتحقيق هذا السيناريو، يجب تجاوز الجمود السياسي الحالي وإعادة بناء الثقة بين الأطراف المعنية، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الظروف الحالية.
في الختام الوضع الراهن في الأراضي الفلسطينية يعكس استمرار التوترات الناجمة عن غياب حل سياسي مستدام ، فالتصعيد الحالي ليس مجرد نتاج للأحداث الأخيرة، بل هو امتداد لسياسات طويلة الأمد تقوم على تقويض أي أفق للتسوية ، بدون تدخل دولي حاسم وإرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، سيبقى المستقبل غامضًا، مع احتمال استمرار الدوامة الحالية من العنف والمعاناة. المنطقة بحاجة إلى رؤية استراتيجية شاملة لتحقيق سلام عادل ودائم يضمن الاستقرار وارجاع الحق الى اصحابه.
ومع ذلك، لا يمكن استبعاد فرضية تحولات في السياسة الدولية أو تغييرات في المنطقة قد تؤثر في مجريات الصراع ، لكن ما يبدو واضحًا هو أن معاناة الفلسطينيين ستستمر طالما استمرت ممارسات الاحتلال الإسرائيلي .