هل أصبح عنق الزجاجة أطول .. أم نحن أقصر؟!
محمود الدباس - ابو الليث
13-01-2025 12:07 PM
حين قال رئيس الوزراء الأسبق هاني الملقي عبارته الشهيرة "سيخرج المواطنون من عنق الزجاجة".. توقع الكثير أن تكون هذه العبارة بداية لرحلة جديدة.. نحو آفاق أوسع.. حلم المواطن بسماء بلا سُحب.. وأفق بلا أزمات.. ولكنه.. ومع كل يوم يمر.. يشعر أن عنق الزجاجة أصبح أطول وأضيق.. وكأن هناك من قرر أن يبقيه عالقاً داخلها.. ينظر إلى الأعلى ويتساءل.. متى سيصل الهواء النقي؟!..
لو عاد الفاروق عمر بن الخطاب إلى زماننا.. لرأى أن الفقر لم يعد رجلاً ليقتله.. بل بات جيشاً كاملاً.. يحاصر الإنسان من كل الجهات.. يرميه بين مطرقة أسعار تتصاعد.. كأنها لا تعرف قانون الجاذبية، وسندان تضخم.. ينهش كل قرش في جيبه.. والمواطن بينهما.. يحاول أن يتشبث بمبادئه وأخلاقه.. لكنه يتساءل في داخله.. إلى متى؟!..
الحكومة الحالية.. وكما تقول.. تعمل جاهدة لتحقيق رؤية التحديث الاقتصادي.. ولكن التحديث.. يبدو كسراب يلوح في الأفق.. أرقام وإحصاءات الحكومة.. تُظهر إنجازات هنا وهناك.. لكن المواطن البسيط لا يقرأ الأرقام.. بل يقرأ قائمة مشترياته اليومية.. ويرى كيف تتقلص مع كل زيارة إلى السوق.. يسمع عن إصلاحات ووعود.. لكنه لا يرى سوى المزيد من الأعباء على كاهله.. وكأنما يُطلب منه أن يكون جندياً في معركةٍ لا يعرف هدفها.. ولا نهايتها..
وبالنظر إلى الأرقام بشكل واقعي.. نجد أن التضخم قد ارتفع بنسبة 1.56% خلال عام 2024.. مما رفع الرقم القياسي لأسعار المستهلك إلى 110.71 مقارنة بـ109.02 في العام السابق.. الخضروات والبقول الجافة والمعلبة ارتفعت بنسبة 8.11%.. التبغ والسجائر بنسبة 6.75%.. وحتى الأمتعة الشخصية.. ارتفعت بنسبة 17.98%.. هذه النسب.. وإن بدت مجرد أرقام في نظر البعض.. تعني للمواطن البسيط تقلص عدد السلع التي يستطيع وضعها في سلته.. وتقلص الأمل في أن يتمكن من توفير حياة كريمة لعائلته..
أما فيما يتعلق بأسعار القهوة والهيل والدواجن.. فقد شهدت زيادات غير مسبوقة. حيث ارتفعت أسعار القهوة.. بنسبة تصل إلى 90%.. مقارنة بالعام الماضي.. بينما قفزت أسعار الهيل.. بأكثر من ثلاثة أضعاف.. فعلى سبيل المثال.. كان سعر كيلو القهوة العام الماضي.. يتراوح بين 6.5 و7 دنانير.. بينما وصل اليوم إلى ما بين 10 و12 ديناراً.. وقد يصل إلى 14 ديناراً أو أكثر.. أما الهيل.. فقد ارتفعت أسعاره من 3 إلى 3.25 دنانير للكيلو العام الماضي.. إلى 16 ديناراً للكيلو حالياً..
وبنظرة سريعة وملموسة للدواجن.. فقد ارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ.. حيث وصل سعر الكيلو من الدجاج إلى 2 دينار.. بعد أن كان يتراوح بين 1.35 و1.60 ديناراً قبل شهرين.. هذه الزيادات تشكل ضغطاً إضافياً على المواطن.. الذي يجد نفسه أمام تحديات مالية متزايدة..
ولن أتحدث هنا عن فاتورة الماء والكهرباء.. والطاقة لكل اشكالها.. والتي يشعر بها كل مواطن.. بغض النظر عن وضعه الاقتصادي.. او طبيعة نشاطه..
والسؤال هنا.. هل رفع الأسعار وزيادة الأعباء.. هو الطريق نحو التحديث الاقتصادي؟!.. وكيف يمكن للحكومة أن تطلب من المواطن التضحية اليوم.. دون أن تمنحه رؤية واضحة.. تُقنعه أن غداً سيكون أفضل وأجمل؟!..
المفارقة.. أن بعض المواطنين باتوا يقولون.. "لو بقينا في قاع الزجاجة.. لكان أرحم.. فعلى الأقل.. هناك كانت المساحة أوسع.. والضغط أقل".. واليوم.. بين الأرقام المتصاعدة.. والآمال المتراجعة.. يبدو الخروج من الزجاجة حلماً بعيد المنال..
ختاماً.. المواطن الأردني.. الذي أثبت دائماً أنه قادر على الصبر والتحمل.. يستحق أن يسمع إجابات واضحة عن تساؤلاته.. إلى متى ستظل الأرقام تتصاعد؟!.. هل ما تقوم به الحكومة هو حقاً لمصلحته.. أم مجرد محاولات لتجميل الصورة؟!.. وكيف يمكن له أن يتنفس يوماً خارج الزجاجة.. في أفق أرحب لا تسوده أرقام تضخم تتزايد.. وأسعار تحلق بلا رقيب؟!..