لا شيء يذكرنا باذاعة المملكة الاردنية الهاشمية مثل الاصوات المؤنسة لفرسانها . في كل مرة ازور مبنى الإذاعة او أدير قرص المذياع يخطر ببالي حجم المعرفة التي تلقيتها والأخبار التي سمعتها والاهازيج التي رددت كلماتها واشارة الاخبار التي كانت تهيئنا للاستماع الى ما سيأتي بصوت جبر حجات او سلامة محاسنة ورفاقهم الذين كانوا الاعضاء الدائمين في كل اسرة من الأسر الاردنية .

اليوم اتوقف طويلا عند صوت الاستاذ محمود ابو عبيد الذي بقي مميزا باللهفة للتواصل والحرص على نقل الرسالة والتقرب من المستمعين الذين شعروا بصدقه واهتمامه وحبه لما يقدم وقناعته في ما يقول .

في البرامج الصباحية ومواجز الانباء وفي مجلة الاثير التي يقلب صفحاتها مع رفيقة عمره المذيعة المبدعة نبيلة السلاخ اطل علينا نبيل فاحببنا صوته وخلقه وحضوره . لقد احب المهنة فاحبه الميكروفون واحس بصدقه الناس. كان صوت الاستاذ محمود يعلو كلما اقترب من الميكروفون ويهدأ كلما ابتعد عنه .

لسنوات طويلة كانت الإذاعة الاردنية هي البيت الثاني له والسيدة السلاخ وكانا يحرصان على ان يقدما لنا من المجلة التي يبثان محتوى صفحاتها على الاثير فيقولا لنا كل ما فاتنا سماعه او لم نعره اهتمامنا من احداث وطرائف ومعلومات.

لعقود طويلة كان العمل الإذاعي يستقطب اكثر شباب وشابات الاردن ثقافة لتصبح اسرة الإذاعة احدى اكثر الجماعات ثقافة واطلاعا وريادة. فمن على منابرها التقينا الكتاب والشعراء وأهل الفكر والفن ومن استوديوهات بثها طل على مجتمعنا خيرة المثقفين وطلائع التنويريين.

من الاذاعة تشكلت اسر تنويرية عديدة فشكلوا ثنائيات وأسر حظيت بمحبة واحترام المستمعين .فقد عرفنا معاذ شقير وليلي القطب ، ومحمد امين وهدية ميرزا ، وعدنان الزعبي وجمان مجلي، ومحمود ابو عبيد ونبيلة السلاخ، وفخر عبندة ونصر العناني . وشكلوا جميعا نماذج أضفت على المهنة الكثير من الوقار واكسبت من انخرطوا فيها الثقة و الاحترام والتقدير .

اليوم ونحن نودع الصوت الذي بقي لصيقا بالمايكروفون وعقد صداقة مع ذائقتنا فاحببنا صاحبه واحزننا فراقه كما يحزن الاهل والمحبين على اعز صديق وجليس ترك بصماته على المكان وأهله..

فقد كان محمود رائد من رواد العمل الاعلامي الهادف وواحدا من الذين اخلصوا للمهنة والتصقوا بها فأخذت كل مالديهم واعطوا لها كل حبهم وخبرتهم وحسهم الوطني.

الرحمة لروحك والسلام عليك يا ابا نبيل والعزاء لأهلك واصدقاءك ومحبيك.