لبنان والعراق والواقع الجديد في المنطقة
د. عامر السبايلة
13-01-2025 09:06 AM
إنجاز الملف الرئاسي اللبناني جاء كنتيجة مباشرة لحرب لبنان أي في جوهره لما بعد السابع من أكتوبر، فلولا هذه الحرب ونتائجها لما تم تحقيق هذا الاختراق بالطريقة الحالية. لهذا لا بد من التوقف عند خطاب الرئيس جوزاف عون- المُحتفى به دولياً بشكل كبير- وهو يكشف عن نقاط مهمة ترسم ملامح المعادلة السياسية الداخلية اللبنانية المقبلة، وتوضح حجم التحديات التي تنتظر لبنان في المرحلة القادمة. حصر السلاح في يد الدولة، وقصر مسؤولية مواجهة إسرائيل على الجيش اللبناني، وفرض السيطرة على المخيمات الفلسطينية، هي عناوين تشير إلى تغييرات جذرية في السياسة اللبنانية. ووفقاً لكلام الرئيس قد يكون لبنان على أعتاب تطبيق هذه المعادلة عمليًا، بما يشمل مكافحة التهريب وتفكيك شبكات المافيا وغسيل الأموال. هذه المعادلة الجديدة، المدعومة دوليًا، تظهر بوضوح مع الرئيس الجديد، حيث يبدو لبنان أقرب من أي وقت مضى إلى نظام رعاية دولية بمشاركة عربية، لا سيما من السعودية. الرياض، التي شهدت قطيعة سياسية مع لبنان لسنوات، تعود الآن بتمدد دبلوماسي يبدأ من سورية ويصل إلى لبنان.
على الجانب العراقي، يدرك رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ضرورة اتخاذ خطوات مماثلة لصهر المليشيات وإنهاء وجود السلاح خارج إطار الجيش. زيارته الأخيرة لإيران ولقاؤه بالمرشد الأعلى علي خامنئي تؤكد أن هذا الملف يشكل أولوية قصوى. الطلب المباشر من إيران للمساعدة، خاصة فيما يتعلق بكتائب حزب الله العراقي وحركة النجباء، يعكس إدراك السوداني أن النجاح في هذه المهمة هو الذي سيحدد مدى نجاح سياسته بتجنيب العراق الاستهداف المباشر في الأسابيع القادمة. السوداني الذي يدرك تماماً أن المرحلة المقبلة قد تشهد إعادة إسرائيل لتوجيه جهودها الأمنية لمواجهة "جبهات التهديد غير المحيطة بها جغرافيًا، مثل اليمن والعراق وحتى إيران، مما يضع هذه الدول أمام تحديات جديدة.
أما الأردن، فقد بدأ في تطبيق سياسة التكيف مع المتغيرات والتعامل مع الأمر الواقع، كما ظهر في زيارة وفد من الإدارة السورية إلى عمان. هذه الخطوة تأتي في إطار إستراتيجية واقعية للتعامل مع التطورات الإقليمية. ومع ذلك، فإن السياسة الواقعية تتطلب أيضًا أن يقوم الأردن بمراقبة الجنوب السوري، المحاذي للأردن، بشكل خاص بسبب التحركات المستمرة في تلك المنطقة التي بدأت تشهد مواجهات من عدة أطراف. خصوصاً أن الصراع على جغرافية درعا يتعدى النفوذ العسكري ليشمل السيطرة على طرق تهريب المخدرات، مما يجعل المنطقة ساحة معركة بين أطراف متعددة، منها مليشيات محلية مرتبطة بالواقع الجديد، أو موالية لتنظيم داعش وأخرى من بقايا النظام السوري السابق.
لهذا قد يكون من المهم أيضاً ألا يقتصر التعامل مع الملف السوري على المنظور الأمني فقط، بل يجب أن يمتد ليشمل حلولًا سياسية شاملة وقابلة للتطبيق. هذا لا يعني التدخل في الشؤون السورية، بل السعي إلى صياغة حلول عملية للإشكاليات القائمة، خصوصاً تلك المتعلقة بالقضية الكردية والدرزية.
أسابيع قادمة يبدو فيها التصعيد العنوان الأبرز والسعي لتحقيق مسألة تأمين الجبهات بالنسبة لإسرائيل يأخذ بعداً جديداً مع اقتراب وصول إدارة ترامب للبيت الأبيض، والسعي نحو تحقيق الهدف الأكبر في المنطقة بإنهاء فكرة المليشيا والسلاح، يعني أن الانعكاسات الأمنية في المنطقة ستبقى تشكل أبرز التحديات في المرحلة القادمة خصوصاً أن هذه الأهداف المعلنة نظرياً ستمر بمخاض صعب نسبياً قبيل إنجازها عملياً.
الغد