أدب التعاليل الكانونية حضوراً ودلالة
خلدون ذيب النعيمي
13-01-2025 07:25 AM
دعيت لسهرة كانونية ضمت الكثير عدد من أطياف المجتمع فكان هناك الطبيب والمهندس وشيخ العشيرة والموظف والمتقاعد والطالب والعامل غلب عليها تبادل مواضيع السهرة بين الموجودين ، فما ان يفتتح احدهم موضوع معين حتى يقوم كل واحد من الموجود بطرح رأيه وتحليله الخاص الذي يلاءم خبرته الحياتية وتحصيله العلمي ومدى اطلاعه على حيثيات الموضوع ، حيث كانت المواضيع الحياتية الداخلية والاقليمية حاضرة بقوة في هذه التعليلة الشتوية .
كان حمد الله وشكره ان من علينا بسقوط الامطار بعد انقطاع طويل لم تمر به البلاد كما اشار اكثر الموجودين والأمل بدورها في تحسن الموسم الزراعي حاضراً في بداية السهرة ، ومن ثم تناول موضوع الإقرار المرتقب للميزانية العامة مع بداية العام الجديد والأمل بتضمينه زيادات في رواتب العاملين والمتقاعدين في ظل أرتفاع الاسعار المتتالي مؤخراً ، فضلاً عن الحديث التقليدي حول اسعار المحروقات حيث حضر هذه المرة التخفيض الأخير الذي اقتصر على بنزين 96 مقابل ارتفاع اسعار بنزين 94 والديزل .
وبعد فترة هدوء بسيطة تخللها قدوم احد الضيوف ومغادرة آخر وما صاحب ذلك من ترحيب ووداع ، قفز الى مسرح الحديث موضوع حرائق الغرب الاميركي التي تبعت تهديد الرئيس المرتقب ترامب بتحويل المنطقة لجحيم ، فيبدو هنا ان الجحيم لم ينتظر تولي ترامب الرئاسة فأثر أن يذهب اليه ، ثم كان موضوع معاناة الأهل في غزة والإشارة للدور الاردني في ذلك من خلال الجهود الدبلوماسية وعمليات انزال المساعدات التي شارك فيها الملك شخصياً ، ولم يغب عن الحضور التطرق بألم واضح للمواجهات الحاصلة بين الاخوة في مخيم جنين واثر ذلك على قضيتهم بهذا الوقت الأستثنائي ، وفي النصف الأخير من السهرة سيطر موضوع التغيير الذي حصل في سورية فكان المهيمن بقوة بكل جوانبه ، فغلب الارتياح بإعادة حركة المرور والتجارة البينية مع التمني بسهرة قريبة مع صوت صباح فخري في الزبداني او بلودان وتناول البوظة العربية في سوق الحميدية الدمشقي بعد الصلاة في جامع بني أمية .
خلافاً لأغنية فيروز "شتوية وضجر وليل" فأن المتابع لتعليلاتنا الأردنية الشتوية يجد نفسه على اطلاع مباشر على نوع متكامل من الأدب يسمى بأدب التعاليل ، حيث يبرز لك في هذا الادب آلية الحديث الدائر بين الموجودين وإنفعلالتهم من خلال ارتفاع الصوت ومسك الشوارب ودق الصدور كوسيلة لأثبات الرأي وتأكيد الألمام بحيثيات الموضوع من خلال كلمتي "سمعت" و"قرأت" ببساطة ، كذلك المساحة الزمانية المتاحة للموضوع حيث تغلب الموضوع الاقليمي على حساب الشأن المحلي لأثاره المباشرة على الاردن ، وكل ذلك يعكس بلا شك اتجاهات الرأي العام المحلي حول مختلف المواضيع .
يروى ان الملك الحسين بن طلال رحمه الله أجاب على سؤال وجه له من احدى الصحفيين الغربيين وذلك خلال لقاء صحفي في تسعينات القرن الماضي حول عدد مهتمي السياسة في الأردن فكان جوابه بأنه 4 ملايين شخص وهو عدد سكان الاردن وقتها، وهو الأمر الذي يبدو انه لم يختلف كثيراً منذ ذلك الوقت .