لدينا تطمينات رسمية علنية ،و على كل المستويات، بالإلتزام بالاجماع الوطني الأردني على رفض البحث في مشاريع الكونفدرالية والفدرالية مع السلطة الفلسطينية ، قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة في حدود ال67 غير منقوصة، وحل قضية اللاجئين، على أن يخضع شكل العلاقة بين الدولتين المستقلتين لإرادة الشعبين الحرة ، في ظل نظامين ديمقراطيين.وما يزال الشعب الأردني ، على الرغم من التسريبات والتشويش والتشكيك، يثق بالموقف الرسمي في هذا المجال، خصوصا وأن أخطار المشاريع الكونفدرالية، تشمل جميع الأردنيين، بغض النظر عن أصولهم ومواقعهم وفئاتهم الاجتماعية وتوجهاتهم السياسية. أنه خطر على الكيان والدولة والنظام والشعب واليمين واليساروالأعنياء والفقراء. ولذلك، فان منطق الاجماع الوطني ، هنا، له أساس متين.
الكونفدرالية مع ضفةٍ غربيةٍ محتلةٍ و منفصلةٍ عن غزة، لا تعني سوى تحميل أعباء الاحتلال الاقتصادية والسياسية والأمنية للأردن، وحل قضية اللاجئين على حسابه، واستيعاب " السلطة" الفلسطينية ونخبة اتفاقيات أوسلو في النظام السياسي الأردني على أساس شراكة ديمغرافية وسياسية على الأرض الأردنية، وعلى حساب سيادة الدولة الأردنية، وهويتها الوطنية.
تعني الكونفدرالية، واقعيا، إدخال إسرائيل إلى قلب الأردن ومجتمعه ومؤسساته، وتحول " التطبيع" القائم ، إلى شراكةٍ ثلاثيةٍ مع إسرائيل التي ستظل موجودة في الضفة الغربية في المستوطنات ، والترتيبات العسكرية و الأمنية والاقتصادية وترتيبات المياه والطاقة الخ. وتنتقل ، بالتالي، إلى وجودٍ بنيويٍ في الأردن، وإلى كونها القوة المقررة في الكونفدرالية التي لا يمكن أن تكون، واقعيا، إلا ثلاثية.
وعلى هذه الخلفية الجغراسياسية التي ستقود إليها الكونفدرالية، فسوف تشهد البنية الاجتماعية الأردنية، تغييرات عميقة، تمس مصالح ـ وربما وجود ـ النخب الاقتصادية والبيرقراطية والسياسية الأردنيةـ من كل " الأصول" ـ لحساب نخب" أوسلو" التي سوف تصبح شريكا أساسيا ومدعوما من واشنطن وتل أبيب .. و" المجتمع الدولي" !
ومع هذه النخب ، سوف تستورد الحياة السياسية الأردنية، أمراضها وصراعاتها وفسادها وارتباطاتها الخارجية وممارساتها اللاـ دولتية.
وباختصار، لا توجد مصلحة لأي أردني ـ مرة أخرى: بغض النظر عن أصله وموقعه ـ في المشاريع الكونفدرالية المطروحة ، بالدرجة الأولى، إسرائيليا، وبالدرجة الثانية في أوساط نخب " السلطة" المتلهفة لنيل حصتها من الدولة الأردنية ،على حساب مستقبل الشعب الفلسطيني.
ومناسبة هذا التوضيح الضروري هي ما يلي:
ـ 1ـ الحاح السياسة الرسمية الأردنية على إغلاق باب الحوار مع أي طرف فلسطيني غير " السلطة"، ما يسهم في تعميق الانفصال السياسي والاقليمي في الداخل الفلسطيني،
ـ 2ـ العودة إلى بحث " ممر السلام " الياباني الذي من شأنه أن يربط ، اقتصاديا بصورة بنيوية، بين الأردن والضفة الغربية المحتلة، بشراكة إسرائيل، وهو ما سيؤدي إلى التزامات أردنية ذات طابع جغراسياسي وأمني،
ـ 3ـ العودة إلى طرح المشروع الكونفدرالي في الصحافة العربية، تحت شعارات " وحدوية"، من قبل صحافيين لهم صلات مميزة مع أوساط رسمية أردنية،بل وتسريب أن الانتخابات النيابية المقبلة سوف تكون لحظة الإنطلاق نحو الكونفدرالية .
ان هذه الاتجاهات ـ وغيرها ـ تصب في طاحونة القلق الأردني من أن الكونفدرالية تسير، على الرغم من التصريحات المضادةـ الى الأمام. بل أن هناك تسريبات متداولة تعزف اللحن القائل بأن الأردن الرسمي لن يستطيع مواجهة الضغوط الأميركية المتوقع تزايدها بشأن الكونفدرالية التي تعتبر الحل الأمثل بالنسبة لإسرائيل، خصوصا لجهة تجاوز التناقض بين حاجة واشنطن و تل أبيب إلى إقفال الملف الفلسطيني، وبين عدم قدرة البنية السياسية الإسرائيلية على الوفاء بمتطلبات السلام ، خصوصا لجهة الانسحاب العسكري والمدني الى حدود ال 4حزيران ، وحل قضية اللاجئين.
الأردن ، في سياق حساباته المعقدة، ربما يكون مضطرا الى التحالف مع الولايات المتحدة، ولكن ليس إلى درجة الانتحار. وهكذا، فاننا نرجح أن تصمد عمان أمام أي ضغط في هذا الاتجاه، ويمكنها ، بالطبع، أن تستهلك الوقت وتؤجل موعد الصدام، لكن ليس عن طريق القبول الجزئي بما ترفضه على المستوى الكلي. أعني : أن" ممر السلام" لا يدخل في باب استهلاك المرحلة الصعبة من أيام بوش الأخيرة، وإنما في باب التمهيد للكونفدرالية، وغرس وتدها في الأرض.