أوزبكستان - الإمارات العربية المتحدة .. شراكة من أجل مستقبل أخضر
12-01-2025 05:46 PM
كتب عليشر كاديروف:
شهدت العلاقات بين جمهورية أوزبكستان والإمارات العربية المتحدة فترة من التطور السريع في السنوات الأخيرة، تميزت بتعميق التعاون في العديد من المجالات، وخاصة التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر.
وعلى هذه الخلفية، فإن الزيارة المقبلة لرئيس أوزبكستان شوكت ميرضيائيف إلى الإمارات العربية المتحدة ومشاركته في أسبوع أبو ظبي للاستدامة 2025 (ADSW 2025) تؤكد الأهمية الاستراتيجية للشراكة لكلا البلدين، مما يدل على التزامهما بمبادئ التنمية المسؤولة بيئيًا والاستعداد للتفاعل الدولي النشط في هذا المجال.
ومن الجدير بالذكر أن هذا الحدث يكتسب أهمية خاصة في سياق التحديات العالمية الحالية والتعاون المتنامي بين الدولتين.
تطبق أوزبكستان والإمارات العربية المتحدة بشكل متواصل سياسة التنمية المستدامة وحماية البيئة، وتؤكدان ذلك بإجراءات ملموسة.
إن هدف طشقند المتمثل في تحقيق حصة 50% من مصادر الطاقة المتجددة في ميزان الطاقة الوطني بحلول عام 2030 يتماشى بشكل جيد مع مبادرات التنمية المستدامة لدولة الإمارات العربية المتحدة. وعلى وجه الخصوص، فإن انضمام بلادنا إلى مبادرة "مضاعفة قدرات الطاقة المتجددة ثلاث مرات" التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة أمر جدير بالملاحظة في هذا الصدد.
ولا شك أن مشاركة الزعيم الأوزبكي في أسبوع أبوظبي للاستدامة 2025 ستسمح بإظهار إنجازات الدولة في مجال التنمية المستدامة، ومشاركة رؤية المستقبل وتوسيع فرص التعاون مع الشركاء العالميين، وخاصة مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
علاوة على ذلك، يكتسب هذا الأمر أهمية خاصة في ضوء إعلان عام 2025 في الجمهورية "عام حماية البيئة والاقتصاد الأخضر"، مما يخلق تآزرًا فريدًا بين الخبرة الدولية والأولويات الوطنية للبلاد.
وفي ظل هذه الظروف، يمكننا أن نقول إن بلادنا تطبق نهجاً شاملاً لحل المشاكل البيئية والتنمية المستدامة. وسيركز البرنامج الوطني لعام 2025 على إدخال التكنولوجيات الخضراء، والحفاظ على المياه، وتنسيق الحدائق، والتخفيف من آثار كارثة بحر الآرال، وإدارة النفايات، وتحسين الصحة العامة.
وقد بذلت البلاد بالفعل جهوداً كبيرة في هذا الاتجاه.
وعلى هذا النحو، عززت أوزبكستان على مدى السنوات الخمس الماضية سياستها البيئية بشكل كبير. وتم اعتماد استراتيجية للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر وإنشاء المؤسسات اللازمة، بما في ذلك المجلس المشترك بين الإدارات. وكانت الخطوة المهمة هي تحويل الوزارة المعنية وإنشاء مجلس المناخ تحت إشراف الرئيس. وتتويجا لهذه الجهود، تم إدراج أحكام حماية البيئة في الدستور المحدث، الذي يؤكد على أولوية القضايا البيئية على مستوى الدولة.
في عام 2021، أطلقت الدولة مبادرة ياشيل ماكون (المساحة الخضراء) البيئية. ويهدف المشروع إلى زيادة التشجير في الدولة إلى 12.4% بحلول عام 2030، بما في ذلك إنشاء حدائق جديدة وتوسيع الغابات. ويلعب ياشيل ماكون دورًا رئيسيًا في تحقيق الاستدامة البيئية والوفاء بالتزامات الدولة الدولية بشأن المناخ.
أصبحت أوزبكستان رائدة إقليمية في تعزيز المبادرات المناخية في آسيا الوسطى. وبناءً على اقتراح طشقند في عام 2022، تبنت دول المنطقة برنامج الأجندة الخضراء ودعمت تطوير استراتيجية مشتركة للتكيف مع تغير المناخ.
في عام 2023، افتُتحت جامعة آسيا الوسطى لدراسات البيئة وتغير المناخ (الجامعة الخضراء) في طشقند، وتستضيف منتدى علوم المناخ بمشاركة خبراء دوليين.
لقد أثبتت الجمهورية نفسها كمشارك فعال في الأجندة البيئية العالمية، حيث تقدمت باعتماد ثلاثة قرارات مهمة للأمم المتحدة. في عام 2021، اقترحت البلاد الاعتراف بمنطقة بحر الآرال كمنطقة للابتكار البيئي، وفي عام 2023 أطلقت مبادرات بشأن الإدارة المستدامة للغابات وتعزيز التعاون البيئي الإقليمي في آسيا الوسطى.
وتوضح هذه الخطوات بوضوح المشاركة الفعالة لطشقند في المبادرات البيئية العالمية وتؤكد المسار الوطني لتطوير الاقتصاد "الأخضر".
ولا شك أن المبادرات البيئية الدولية التي تطلقها أوزبكستان تحظى بدعم فعال على الساحة الدولية، حيث تحتل دولة الإمارات العربية المتحدة مكانة خاصة.
تطورت الاتصالات بين أوزبكستان والإمارات العربية المتحدة، التي بدأت في عام 1992 بإقامة العلاقات الدبلوماسية، على مدى العقود الثلاثة الماضية إلى تعاون استراتيجي قوي قائم على الاحترام المتبادل والثقة. وكانت زيارة رئيس أوزبكستان إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 2019، والتي تم خلالها توقيع اتفاقيات مهمة أرست الأساس لتوسيع الاتصالات في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والاستثمار والابتكار، من اللحظات المهمة في تطوير العلاقات الثنائية.
وقد أعطت الزيارات الرفيعة المستوى اللاحقة، مثل زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان إلى أوزبكستان في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ومحادثات الرئيس شوكت ميرضيائيف مع وفد الإمارات العربية المتحدة برئاسة الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم العام الماضي، زخماً جديداً لتطوير الاتصالات الثنائية.
كانت مشاركة رئيس أوزبكستان في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في الإمارات العربية المتحدة خطوة مهمة في تعزيز التفاعل بين البلدين في مجال البيئة والتنمية المستدامة. وقد أظهر هذا الحدث التزامهما المشترك بحل التحديات البيئية العالمية وتعزيز الشراكة في تعزيز الطاقة "الخضراء".
وعلى هذا النحو، تواصل العلاقات بين أوزبكستان والإمارات العربية المتحدة التطور بشكل ديناميكي، وتغطي مجموعة واسعة من مجالات التعاون وتساهم في التقدم المستدام للدولتين.
يعد قطاع الطاقة المتجددة أحد أكثر مجالات التعاون نموًا وديناميكية بين أوزبكستان والإمارات العربية المتحدة. تلعب شركة مصدر الإماراتية دورًا رئيسيًا في تنفيذ المشاريع الكبرى في هذا المجال وهي شريك موثوق واستراتيجي.
كان المشروع الرائد هو محطة طاقة الرياح زارافشان بقدرة 500 ميجاوات في منطقة نافوي، والتي تم تشغيلها بنجاح في عام 2024. تعد مزرعة الرياح هي الأكبر في آسيا الوسطى وهي قادرة على توفير الكهرباء لنحو 500 ألف أسرة مع منع انبعاثات حوالي 1.1 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
وبالإضافة إلى طاقة الرياح، تستثمر "مصدر" بشكل نشط في الطاقة الشمسية في أوزبكستان. ففي عام 2021، تم إطلاق محطة نور نافوي للطاقة الشمسية بقدرة 100 ميجاوات. بالإضافة إلى ذلك، تنفذ الشركة مشاريع لبناء محطات للطاقة الشمسية في مناطق مختلفة من أوزبكستان، بما في ذلك مقاطعات جالارال وكاتاكورغان وشير آباد، بطاقة إجمالية تبلغ حوالي 900 ميجاوات.
في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في باكو في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اتفقت شركة مصدر ووزارة الطاقة في أوزبكستان على بناء مزرعة رياح بقدرة 1 جيجاوات في مينجبولاك. ولن يعمل المشروع على زيادة إنتاج الطاقة النظيفة فحسب، بل سيخلق أيضًا 600 إلى 800 وظيفة جديدة ويوفر مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا. وبفضل بناء مزرعة الرياح، سيتم تقليل الانبعاثات في الغلاف الجوي بمقدار 1.4 مليون طن سنويًا، وسيزداد أمن الطاقة، وستتم خلق فرص عمل جديدة.
تنتج مشاريع مصدر في أوزبكستان حاليًا 1.5 جيجاوات من الطاقة المتجددة، مع 0.5 جيجاوات أخرى قيد الإنشاء. والهدف هو الوصول إلى إجمالي قدرة 4 جيجاوات.
ولا تستثمر الشركات الإماراتية في تطوير القطاع فحسب، بل تعمل أيضاً على نقل الخبرة والتكنولوجيا بشكل نشط، مما يساهم في التنمية المستدامة لقطاع الطاقة في البلاد.
لا يقتصر التعاون الأوزبكي الإماراتي في مجال التنمية المستدامة على قطاع الطاقة، حيث يتبادل البلدان الخبرات بشكل نشط وينفذان مشاريع مشتركة لمكافحة تغير المناخ والحفاظ على الموارد المائية ومكافحة التصحر.
تُعَد الزراعة وإدارة المياه من المجالات الحيوية لكلا البلدين. وقد أبدت أوزبكستان، التي تواجه الجفاف ونقص المياه، اهتمامًا كبيرًا بالتقنيات المبتكرة التي ابتكرتها دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال إدارة المياه والزراعة في الأراضي الجافة.
ويشمل التعاون في هذا المجال إدخال أنظمة الري المتقدمة وتطوير الزراعة المستدامة وتبادل الخبرات في مجال تكييف الزراعة مع تغير المناخ.
تم تأسيس تفاعل مباشر بين وزارة الأمن الغذائي والمائي بدولة الإمارات العربية المتحدة ووزارة الزراعة في أوزبكستان، لبحث إمكانيات تنفيذ برامج ومشاريع مشتركة في مجال الزراعة وصناعة الأغذية.
وتولي أوزبكستان اهتماما خاصا لقضايا الاستخدام الفعال للموارد المائية. ونظرا للخبرة الغنية التي تتمتع بها دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال تحلية المياه وإدخال تكنولوجيات توفير المياه في الزراعة، فإن الجانب الأوزبكي يدرس ويطبق بنشاط أفضل ممارسات الشركات والمؤسسات الإماراتية لحل مشاكل نقص المياه في منطقة بحر الآرال.
وفي مجال التوسع الحضري المستدام وتطوير المدن الذكية، تتبنى الدولة أيضاً تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، ففي عام 2024 تم توقيع مذكرة تعاون في مجال تطوير مراكز معالجة البيانات والذكاء الاصطناعي، مما يفتح فرصاً جديدة لرقمنة البنية التحتية الحضرية وتحسين نوعية حياة المواطنين.
ومن الممكن القول بثقة إن الزيارة المقبلة لرئيس أوزبكستان إلى الإمارات العربية المتحدة ومشاركته في أسبوع أبو ظبي للتنمية المستدامة تشكل مرحلة مهمة في تطوير العلاقات الثنائية.
وبالنسبة لأوزبكستان، تعد هذه فرصة لجذب الاستثمار والتكنولوجيا في الاقتصاد الأخضر، وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، لتعزيز مكانتها كقائد إقليمي في مجال التنمية المستدامة وتوسيع التعاون في آسيا الوسطى.
إن هذا التفاعل، الذي يرتكز على الرغبة المشتركة في تحقيق التقدم المستدام والمستقبل "الأخضر"، لديه القدرة على أن يصبح نموذجاً للتعاون الدولي الفعال في معالجة التحديات البيئية العالمية.
ويتابع المجتمع الدولي تطور هذه الشراكة الاستراتيجية باهتمام، وينظر إليها باعتبارها نموذجًا محتملًا في سياق الجهود العالمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة ومكافحة تغير المناخ. ويتفق الخبراء على أن التنفيذ الناجح للمبادرات المشتركة بين أوزبكستان والإمارات العربية المتحدة لا يمكن أن يساهم فقط في النمو الاقتصادي وتحسين الوضع البيئي في كلا البلدين، بل سيكون له أيضًا تأثير إيجابي على منطقة آسيا الوسطى بأكملها، مما يدل على إمكانيات الجمع الفعال بين التنمية الاقتصادية والاهتمام البيئي.
* رئيس قسم معهد الدراسات الاستراتيجية والإقليمية / رئاسة جمهورية أوزبكستان