له له له .. راح طبق البيض
محمود الدباس - ابو الليث
12-01-2025 05:40 PM
يحكى أن رجلاً كان عائداً من السوق.. حاملاً طبقاً من البيض.. وبينما يسير بخطوات ثابتة ومطمئنة.. أبصر أمامه قشرة موز ملقاة على الطريق.. توقف لحظة.. تفكر ملياً.. ثم صرخ بأعلى صوته.. له له له.. راح طبق البيض.. لم يحاول أن يتحاشاها.. بل كان مقتنعاً في أعماقه.. أنه لا مفر من أن يدوس عليها.. فيتعثر.. فيسقط.. ويتناثر البيض على الأرض.. وكأن هذا المشهد المحتوم.. قد كُتب له سلفاً.. ولا مهرب منه..
هذه القصة.. وإن بدت بسيطة في ظاهرها.. تعكس عميقاً سلوكيات شريحة كبيرة من الناس في حياتهم اليومية.. سواء في العمل.. أو العلاقات الاجتماعية.. أو حتى في مجالات السياسة والاقتصاد.. فتجد من يسير في طريق يعرف جيداً أنه محفوف بالمخاطر.. ولكنه يصر على المضي فيه دون تفكير.. كأنما يقول في قرارة نفسه.. هذا هو المسار الوحيد.. وهذا هو الواقع الذي لا بد منه.. حتى لو كانت هناك خيارات أكثر أمناً ونجاحاً..
ففي السياسة والاقتصاد.. يظهر هذا النمط واضحاً.. حين تتخذ بعض الحكومات قرارات بعينها.. فقط لأنها اعتادت السير في طريق محدد.. دون النظر إلى النتائج.. حتى لو كان في ذلك تكراراً للأخطاء.. أو تعمقاً في الأزمات.. وكأن التغيير جريمة.. وكأن الاعتراف بالخطأ ضعف.. متناسين أن الأمم القوية.. تبني نجاحها على الجرأة في التغيير والتصحيح..
ولنأخذ مثالاً في بيئة العمل.. حيث نجد أشخاصاً يلتحقون بمؤسسات.. لها أعراف غير مكتوبة.. وأسلوب تعامل خاص.. فيجدون أنفسهم يقلدون تلك الأعراف بحذافيرها.. حتى وإن كانت تخالف قناعاتهم الشخصية.. أو مبادئهم.. وحين تسأل أحدهم.. لماذا تتصرف هكذا؟!.. يجيبك.. لأن هذا ما يفعله الجميع هنا.. وكأن التماشي مع التيار.. هو الخيار الوحيد.. حتى لو كان التيار يقودهم إلى الغرق..
وفي العلاقات الاجتماعية.. نجد من يكرر أساليب تعامل اعتاد عليها.. مع علمه أنها قد تؤدي إلى سوء فهم.. أو خلاف مع الطرف الآخر.. لكنه يرفض التغيير.. وكأنما يخشى أن يفقد هويته إذا خرج عن المألوف.. بل إن البعض يظن أن الثبات على هذه الأساليب.. هو دليل الأصالة.. وبناء الشخصية واستقلالها.. متجاهلين أن الأصالة الحقيقية.. تكمن في المرونة والحكمة.. لا في الجمود والانقياد الأعمى..
إن المشكلة ليست في الطريق.. أو الظرف ذاته.. بل في عقولنا التي تأبى أن تبحث عن مسارات أخرى.. وفي قناعاتنا الراسخة.. بأننا محكومون بسيناريوهات ثابتة.. لا يمكن تغييرها.. فتتحول العوائق الصغيرة إلى جبال.. ويصبح الخطأ أمراً طبيعياً.. بل ومبرراً.. فقط لأننا رفضنا التفكير خارج الصندوق..
لذلك.. علينا أن نملك الجرأة.. لنقف مع أنفسنا.. ونسأل.. هل ما نقوم به نابع من قناعة حقيقية.. أم مجرد تقليد أعمى لما وجدناه أمامنا؟!.. هل نحن مستعدون لتجاوز قشرة الموز.. أم سنصر على السير فوقها؟!..
الحياة مليئة بالبدائل والمسارات.. وما يبدو حتمياً.. قد لا يكون كذلك.. إذا قررنا أن ننظر بعين مختلفة.. ونفكر بمنطق جديد..
الخاتمة يا أصدقائي واضحة.. لكن القرار أصعب مما يبدو.. فالمعادلة ليست في تجاوز قشرة الموز وحسب.. بل في امتلاك الإرادة لتغيير الطريق بأكمله إن لزم الأمر.. لأن الثبات على خطأ معتاد.. أشد قسوة من التجربة والخطأ في طرق غير مألوفة.. والآن.. السؤال يبقى موجهاً لك.. هل ستدع طبق بيضك يسقط؟!.. أم ستبحث عن طريق آخر؟!..