العرب بين الملكية والجمهورية
فيصل سلايطة
12-01-2025 02:03 PM
عندما نقرأ واقعنا العربي ، العلاقة بين الشعوب و النظم الحاكمة ، ونحلّل الماضي و نقارنه بالحاضر ، و ندرس الانظمة السياسية ، نخرج باستنتاج واضح مفاده "الانظمة الملكية هي مفتاح الاستقرار" لأي بلد عربي ، و حال أقل نظام ملكي أفضل من أفضل نظام جمهوري ، فما السِرْ؟
بشكل عام ، وبسبب تكويننا الاجتماعي_الثقافي كعرب ، نميل نحو البقاء و الاستقرار و الثبات ، فعلى عكس ذلك ، في الانظمة الجمهورية لا يلعب عامل الزمن دورا ايجابيا في علاقة الرئيس مع الشعب ، فالرئيس الذي يستثمر في الزمن يزداد عامل الخطر لبقاءه كل يوم ، فالشعوب في الانظمة الجمهورية لا تفضل مطلقا رئيسا إلى الموت ، أو رئيسا يعدل دستورا ، أو رئيسا يورّث ، و امست معظم هذه الامثلة إلى نهايات مأساوية أو النفي و الهرب في أفضل الاحوال.
أما في الانظمة الملكية ، فالشعوب و إن تضايقت اقتصاديا ، تبقى في الدائرة المريحة سياسيا و امنيا ، فعلاقة الملك أو الأمير هنا على عكس الجمهوريات ، مفتاح نجاحها الاستثمار في الزمن ، أن يستثمر الملك الزمن لاحتكاك مباشر و متزن و مستمر مع الشعب ، فتصبح أي عقبات اقتصادية أو توترات سياسية تواجه ذاتيا من الشعب في عملية مفاضلة ما بين الاقتصاد و الأستقرار ، فالأخير مفقود في الكثير من الدول العربية ، إلى أن اصبح عنصرا اساس للتقييم.
يترحّم اليوم الكثير من ابناء العراق على الملك فيصل، آخر الملوك الهاشميين الذي حكم العراق و قتله ابناء العراق مع عائلته في واقعة مجزرة قصر الرحاب الدموية ، تلك التي نفذت بطريقة لا يتقبّلها أي سوي ، و من بعدها و بلسان العراقيين انفسهم ، لم يذق العراقيين سنوات مستقرة كتلك ابان الحكم الملكي الهاشمي ، فكل الذين حكموا العراق و على رأسهم صدام حسين ، حاولوا بشتى الطرق اختلاق حروب عبثية نتائجها صفرية ، فحرب ايران خلّفت قرابة المليون ضحية و مليارات الدولارات من الديون و الخسائر ، و غزو الكويت الذي به صدام اخترق النظم السياسية والجيرة الحسنة وكل المواثيق الدولية ، لم ينتج أيضا سوى الدمار على العراق و المنطقة ، فعاش العراق بعد الملكية عقودا عجاف.
الملكيات العربية في الغالب أكثر استقرارا و ثباتا ، عملتها مستقرة ، اقتصادها حتى و إن عانى يبقى مستقرا ، الانظمة بها غير دموية على الاطلاق مقارنة بالانظمة الجمهورية ، فمثلا في الوقت الحاضر شاهد العالم العربي فظائع النظام السوري البعثي الجمهوري ، فهل هنالك ملكية عربية فعلت ما فعله هذا النظام من كوارث؟.
طبعا النظم الملكية ليست ملائكية، وبها انحرافات عديدة، لكنها دائما تبقى ضمن المستويات القابلة للاستهلاك ، لكن على كل ملك وأمير ومسؤول أن يكون انتقائيا، أن يختبر كل شخصية ، كل اسم ، كل موظف في موقع حساس ، فالنجاح لذلك الشخص نجاح شخصي ذاتي ، أما الفشل أو الانحراف ، فيلام به المسؤول أولا .
فمثلا في الأردن وبالرغم من شح موارد الاقتصاد الذي يتلقى ضربات بين الحين والآخر ، الحروب المشتعلة في الاقليم ، الصراعات القريبة ، الحدود المستهدفة ، عدم الاستقرار الدولي ، لم يتأثر الاردن كثيرا مقارنة بالمحيط ، بقيت الدولة ثابتة ، مؤسساتها تعمل لا بل تتطور ، نظام حكم دافئ ، صورته نظيفة مشرقة ، لم يسحل اردنيا يوما بالشارع أو تراق قطرة دم واحدة لأردني ، علاقة متوازنة مع مختلف اطياف الشعب الاردني ، تحظى الاقليات في الاردن بحرّية واسعة هي الافضل في المنطقة ، الدينار ثابت ، الامن مستقر و ينال باحترام الشعب و ثقته ، كل هذه المميزات ، اوجدها نظام حكم ملكي ، و يتكرر هذا المشهد في مختلف الملكيات العربية بتفاوت التفاصيل.
لذلك مهما تخبّطت الملكيات العربية ، على الشعب العربي أن يتمسك بها ، لأنّها مفتاح استقرار الدول و راحة الشعوب ، و الشواهد كثر.