ترامب يتهم نتنياهو بتوريط أمريكا
أحمد عبد الباسط الرجوب
12-01-2025 11:47 AM
* ترامب يتهم نتنياهو بتوريط أمريكا في حروب الشرق الأوسط: غياب الموقف العربي والتحديات القادمة
في تطور مثير للجدل، نشر الرئيس الأمريكي المنتخب سابقًا، دونالد ترامب، عبر حسابه على منصة "تروث سوشال"، فيديو للبروفيسور جيفري ساكس، أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا، يهاجم فيه رئيس وزراء دولة مشروع الكيان بنيامين نتنياهو، ويُحمله مسؤولية التورط الأمريكي في الحروب التي اجتاحت الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة. وفتح هذا الفيديو باب النقاش حول الدور الأمريكي في المنطقة، والضغوط التي تمارسها الكيان على السياسات الأمريكية، بما في ذلك توجيهها نحو مزيد من التدخل العسكري.
اتهام دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتوريط الولايات المتحدة في حروب الشرق الأوسط يعكس توتراً في العلاقات بين الرجلين، على الرغم من التحالف الوثيق الذي كان بين إدارتيهما في الماضي. فحوى هذا الاتهام يمكن تلخيصه في النقاط التالية:
1. التورط الأمريكي في الصراعات: ترامب يرى أن سياسات نتنياهو شجعت الولايات المتحدة على الانخراط في صراعات الشرق الأوسط، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما يتناقض مع شعارات ترامب التي دعت إلى تقليص التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج.
2. العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية: ترامب قد يكون ألمح إلى أن نتنياهو استغل العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة لتحقيق أجنداته الإقليمية على حساب المصالح الأمريكية.
3. الاتفاق النووي الإيراني: نتنياهو كان من أشد المعارضين للاتفاق النووي مع إيران، ولعب دوراً كبيراً في الضغط على إدارة ترامب للانسحاب منه، مما أدى إلى تصعيد التوترات مع إيران وزيادة احتمالات المواجهة العسكرية.
4. استغلال الدعم الأمريكي: ترامب قد يكون قصد أن إسرائيل تحت قيادة نتنياهو دفعت واشنطن إلى اتخاذ مواقف متشددة تجاه قضايا المنطقة، مثل القضية الفلسطينية، مما أدى إلى تعقيد الحلول السياسية وزيادة الاستقطاب.
الاتهام يسلط الضوء على اختلافات جوهرية في المصالح بين الولايات المتحدة وإسرائيل، رغم التحالف الاستراتيجي بين البلدين، ويعكس رؤية ترامب بأنه تعرض لضغوط لتحقيق مصالح إسرائيلية على حساب أهداف السياسة الأمريكية.
التورط الأمريكي في الحرب السورية وأبعاد الأزمة
أوضح البروفيسور ساكس في الفيديو أن رئيس حكومة دولة الكيان مسؤول بشكل رئيسي عن إشراك الولايات المتحدة في حروب الشرق الأوسط، خاصة تلك التي تأثرت بها سوريا والدول المجاورة. وأشار ساكس إلى أن نتنياهو لعب دورًا في دفع الولايات المتحدة نحو استراتيجيات الحروب التي كانت تهدف في كثير من الأحيان إلى تحقيق مصالح شخصية وسياسية لتل أبيب، مما زجّ واشنطن في مواجهات عسكرية متتالية مع دول المنطقة.
كما أشار إلى أن إسقاط نظام بشار الأسد كان أحد الأهداف الاستراتيجية التي دُفعت الولايات المتحدة إلى تبنيها، حيث كان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما قد طلب تدخل وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) لإزاحة الأسد، قبل أن تدخل روسيا إلى الساحة العسكرية بشكل كبير. وتُعد هذه التدخلات العسكرية التي دعمتها تل أبيب جزءًا من استراتيجية دولة الكيان في المنطقة التي كانت تهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني، مما يطرح تساؤلات حول الدور الفاعل لدولة الكيان في تحديد السياسة الأمريكية.
حروب غزة ولبنان وسوريا: عواقب التورط الأمريكي
الحروب المستمرة في غزة، لبنان، وسوريا، فضلاً عن النزاع مع الحوثيين في اليمن، أصبحت تجسد تداعيات التورط الأمريكي في المنطقة. في حين أن هذه الصراعات قد تكون نتيجة لعدة عوامل داخلية وإقليمية، إلا أن التأثير الأمريكي ودولة الكيان لا يمكن تجاهله. فالتصعيد الاحتلالي على الأراضي الفلسطينية في غزة والضغوط على لبنان وسوريا أثبتت أن هناك تداخلًا في المصالح بين القوى الكبرى، مما دفع واشنطن إلى دعم سياسات تل أبيب بشكل غير مشروط.
ورغم هذه التصعيدات، تبقى هناك تحولات خطيرة في المنطقة، حيث تبدو الحروب في سوريا وغزة بمثابة فوضى مفتوحة على مزيد من التصعيد. إن سياسات دولة الكيان المدعومة من الولايات المتحدة تساهم في إحداث مزيد من التوترات بين الدول العربية، وتخلق بيئة من الانقسام في الشرق الأوسط.
الدور العربي المتقاعس في مواجهة نتنياهو: تحديات جديدة مع ترامب
منذ تولي ترامب فترته الأولى ، بدا واضحًا أن العلاقة الأمريكية ودولة الكيان تزداد قوة في ظل الدعم الأمريكي غير المحدود لدولة الكيان . هذا التوجه أصبح يمثل تحديًا إضافيًا للأنظمة العربية التي لا تزال تواجه عجزًا في التأثير على السياسات الأمريكية.
ورغم أن كثيرًا من الزعماء العرب قد يزورون واشنطن لتهنئة الرئيس الأمريكي المنتخب في ولايته الثانية، إلا أن الموقف العربي الرسمي تجاه الدعم الأمريكي اللامحدود لدولة الكيان بات موضوعًا حساسًا في الأوساط الشعبية. فالشعوب العربية تحمل في قلبها غصة من هذا الدعم المستمر الذي لا يعكس تطلعاتها في تحقيق سلام عادل في المنطقة، خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
ويبدو أن إدارة ترامب الثانية (ترامب الثاني) ستواجه مزيدًا من التحديات في هذا السياق، إذ أن المواقف العربية قد تتغير نحو تعزيز الاستقلالية في اتخاذ القرارات، وهو ما يتطلب من الزعماء العرب تقديم مواقف أكثر وضوحًا في مواجهة التورط الأمريكي في قضايا المنطقة. وفي ظل سياسة دولة الكيان المتطرفة يقودها اليوم قادة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش، الذين يسعون إلى توسيع حدود دولة الكيان على حساب الدول العربية المجاورة، أصبح من الضروري أن يتم طرح هذه القضايا بجدية أمام الإدارة الأمريكية المقبلة.
خرائط دولة الكيان وتحديات الموقف العربي
من جانب آخر، لا يمكن تجاهل الخرائط التي عرضها بتسلئيل سموتريش، وزير المالية لدولة الكيان، والتي تنص على شطب دول عربية من الخريطة وإعادة رسم الحدود بما يتناسب مع مصالح دولة الكيان. هذه الخرائط التي أثارت الكثير من الجدل، تعكس أيديولوجيات متطرفة تسعى لتوسيع دولة الاحتلال على حساب حقوق الفلسطينيين والدول العربية. لكن ما يجعل هذه التصريحات أكثر خطورة هو الدعم السياسي الذي تحظى به من القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مما يجعلها تشكل تحديًا ليس لدولة الكيان فقط، بل للموقف العربي الرسمي والشعبي في مواجهة هذه السياسات.
في هذا السياق، يجدر بالذكر أن هذه السياسات العدوانية لم تكن لتتحقق لولا الدعم الأمريكي اللامحدود لدولة الكيان. فحينما وافق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاول، في ولايته الأولى، على نقل سفارة بلاده إلى القدس واعتبارها عاصمة أبدية لدولة الاحتلال، ثم تبعه بالإعلان عن ضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة إلى دولة الكيان، فإن هذا الموقف الأمريكي كان بمثابة تشجيع مباشر لسياسات التوسع لدولة الكيان، بما في ذلك طرح الخرائط التي يسعى سموتريش من خلالها إلى إعادة رسم حدود المنطقة لصالح دولة الكيان.
إن هذه القرارات كانت بمثابة ضوء أخضر من واشنطن لتل أبيب في تعزيز أيديولوجياتها التوسعية، مما جعل وزير المالية لدولة الكيان يتجرأ على طرح خرائط تستهدف إعادة تقسيم المنطقة، متجاهلاً الحقوق الفلسطينية والعربية. لولا هذا الدعم الأمريكي، لربما كانت دولة الكيان أكثر ترددًا في تبني مثل هذه السياسات المثيرة للجدل، التي تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي.
التداعيات على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
من جانب آخر، تعكس تصريحات ترامب وادعاءات ساكس واقعًا سياسيًا معقدًا، حيث يظهر أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط قد تأثرت بشكل كبير بضغوط دولة الكيان. وهذا يُثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرار الأمريكي في ملفات الشرق الأوسط، ومدى تأثير العلاقات الاستراتيجية مع دولة الكيان على تلك القرارات.
ويعكس هذا النقاش واقعًا يتسم بتشابك المصالح بين القوى الكبرى في المنطقة، حيث تبدو الولايات المتحدة أمام معضلة حقيقية في تحديد مسارها في ظل الحروب المستعرة والضغوط التي تمارسها دول مثل دولة الكيان.
خصم الكلام
تُظهر هذه التطورات بوضوح أن المواقف الأمريكية المساندة لدولة الكيان ليست مجرد تصريحات سياسية، بل تشكل دعمًا عمليًا يُمَكِّن الدولة العبرية من تنفيذ خططها التوسعية على حساب الأراضي العربية والفلسطينية. في ظل هذا الدعم الأمريكي، يجد الموقف العربي نفسه أمام تحديات كبيرة تتطلب تماسكًا في السياسات والمواقف لمواجهة هذه الخطط التي تهدد أمن المنطقة ومصالحها.
تبقى تصريحات دونالد ترامب والبروفيسور جيفري ساكس بمثابة " دعوة للتفكير " في دور الولايات المتحدة في الصراعات الشرق أوسطية، وتُشير إلى أن الدعم الأمريكي لدولة الكيان قد لا يكون دائمًا في مصلحة الأمن الإقليمي، بل قد يؤدي إلى تصعيد الحروب وتفاقم الأزمات. في ظل وجود قادة دولة الكيان متطرفين وأجندات سياسية ضيقة، قد تكون المنطقة مرشحة لمزيد من الفوضى والدمار في المستقبل..
تظل سياسة الدعم الأمريكي لدولة الكيان محط جدل في العالم العربي، حيث يتزايد الاستياء الشعبي من موقف واشنطن الثابت في دعم دولة الكيان رغم استمرار انتهاكات حقوق الفلسطينيين. وبالتوازي مع ذلك، يبدو أن الزعماء العرب سيجدون أنفسهم أمام تحديات جديدة في التعامل مع إدارة ترامب المقبلة، التي من المرجح أن تواصل منح الكيان الدعم اللامحدود. وفي ظل تطورات متسارعة في سوريا ولبنان وغزة، يبقى السؤال حول مدى قدرة الدول العربية على تغيير المواقف الأمريكية، وهل ستنجح في رسم سياسة إقليمية أكثر استقلالية تضمن حقوق الشعوب العربية في مواجهة المواقف الأمريكية ودولة الاحتلال المتشددة.
* باحث وكاتب اردني