الموقف الاميركي من الثورات الشعبية العربية
د. هايل ودعان الدعجة
11-06-2011 03:06 PM
ما من شك بان الزلزال العربي الذي ضرب المنطقة بقوة قد فاجأ الادارة الاميركية ـ كما الغرب ودول العالم بشكل عام ـ وجعل من الحيرة والتردد صفتان ملازمتان لرد فعلها على هذا الحدث العاصف، وبصورة يتوقع ان تشهد تغيرات وتعديلات واعادة نظر في الحسابات والسياسات الاميركية في المنطقة. حيث لاحظنا تأخر رد فعل هذه الادارة وعدم وضوح او حسم موقفها من الثورات الشعبية التي شهدتها بعض دول المنطقة والتي اطاحت انظمة سياسية عربية، ما يؤشر الى ان الادارة الاميركية لم تكن تتوقع او تضع في حسابها مثل هذا التحول النوعي والجو الشعبي الاحتجاجي طلبا للحرية ولقمة العيش. حتى انها لم تصدر تصريحات او تعليقات على ما يجري الا عندما تأكدت من مخرجات هذه الثورات ووجهتها التي اخذت تميل لصالح الشعوب. حيث بدأ التغير في النظرة والقناعات الاميركية المترسخة عن هذه الشعوب ومحاولة مصالحتها وتبني مواقفها وطروحاتها ومطالبها، بعد ان تجاهلتها لفترات طويلة مكتفية بالتحدث بشؤونها مع ولي امرها من الانظمة السياسية القمعية التي انتهكت حقوقها وحرياتها وانسانيتها. ما يفسر رد الفعل الاميركي المشوب بالحذر والقلق على وقع هذا الزلزال المدمر الذي هز التركيبة السياسية في المنطقة، ووضعها امام احتمال ان تشهد ثورة ديمقراطية وسياسية حقيقية تكون الكلمة الاولى والاخيرة فيها للشعوب على شكل مشاركة شعبية في صناعة القرارات ورسم السياسات، اتساقا مع ابسط مبادىء النظام الديمقراطي الذي يعتبر ان الشعب هو صاحب السيادة ومصدر الشرعية، بحيث يصبح تمثيل الارادة الشعبية شرطا اساسيا لممارسة السلطة.
من هنا يمكننا ان نفهم او نقرأ الموقف الغربي والاميركي الانتقائي من مسألة نشر الديمقراطية في المنطقة ، والتي لم تستقر كمبدأ اخلاقي راسخ في السياسة الاميركية والغربية بل بقيت تتأرجح بين المبادىء والمصالح التي تفوق اهميتها في حالات كثيرة اهمية الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان في منطقة الشرق الاوسط من وجهة نظر غربية. فاهتمام الولايات المتحدة بالديمقراطية هو في افضل الاحوال اهتمام محدود، لا يتعدى حدود الدعوة الى تحقيق نوع من الانفتاح السياسي حرصا على حماية مصالحها، وادراكا منها بان الديمقراطية وما تنطوي عليه من مظاهر سياسية وتعددية كالانتخابات، كفيلة بافساح المجال امام القوى المعارضة لسياساتها في المنطقة للوصول للسلطة. وربما هذا اكبر تحد يتوقع ان يواجه الادارة الاميركية في الوقت الراهن على خلفية الثورات الشعبية التي تجتاح المنطقة العربية، وذلك في ظل السياسات الاميركية المنحازة للكيان الاسرائيلي، والهادفة ايضا الى سلب خيرات هذه المنطقة ونهب ثرواتها وتمزيق الصف العربي خدمة للمصالح الاميركية والاسرائيلية. ولنا في مقال (العرب والديمقراطية.. لا استثناءات) بقلم كريس باتن مفوض الاتحاد الاوروبي الاسبق للشؤون الخارجية، وبروجيكت سنديكيت رئيس جامعة اكسفورد، ما يؤشر الى ان التعاطي الغربي مع موضوع الديمقراطية في المنطقة كان في حدود ما يتوافق والمصالح الغربية. فقد جاء بالمقال ما نصه « لسنوات طويلة، كنا نحن في الغرب نتحدث عن نشر الديمقراطية في مختلف انحاء العالم، ولكننا باستثناء بعض صفعات رقيقة من حين الى اخر على معاصم المستبدين، كنا نتقبل بلا نقاش فكرة الاستثناء العربي من الرغبة في الحرية ومساءلة الحكام. لقد سمحنا للقولبة الثقافية النمطية المريحة بدعم ما توهمنا فيه سعيا مشروعا لحماية مصالحنا الوطنية.. لقد تجنبنا بهذا الموقف المريح الطعن في الانظمة الاستبدادية او تأنيبها وتقريعها. فضلا عن ذلك، ولان هؤلاء الحكام كانوا حريصين على عدم اثارة الكثير من الازعاج السياسي بشأن اسرائيل وممارساتها «.
(الرأي)