أوكرانيا تطرح رؤيتها في استقرار سوريا والسلام
12-01-2025 10:42 AM
عمون - قالت السفارة الأوكرانية في عمان، إن سقوط نظام الأسد يمثل نقطة تحول في تاريخ سوريا، حيث يمنح الأمل في استقرار البلاد بعد 14 عامًا من الحرب المدمرة التي غذتها روسيا وإيران. لقد خلف هذا الصراع وراءه أمة محطمة، وأزمة إنسانية هائلة، وملايين النازحين.
وفي حين صورت موسكو نفسها في كثير من الأحيان على أنها صديقة للعرب والمسلمين، فإن أفعالها في سوريا تكشف عن إرث من الفظائع والدمار والنفاق. من خلال التلاعب بحسن نية العالم العربي لدفع أجندتها، عملت روسيا على إدامة المعاناة وعدم الاستقرار. أينما تدخلت روسيا، فإن الموت والدمار واليأس تتبع حتما. لقد شهدت كل من أوكرانيا وسوريا هذا بشكل مباشر.
إن استقرار سوريا ليس ضروريًا للشرق الأوسط فحسب، بل له أيضًا آثار على الأمن العالمي ومصالح أوكرانيا الخاصة. بالنسبة لأوكرانيا، فإن الأحداث في سوريا تجسد فشلًا آخر مذهلاً للكرملين، مما يدل على أنه يمكن هزيمة الآلة العسكرية الروسية الضعيفة. اجبار روسيا على السلام في حربها العدوانية ضد أوكرانيا ممكن و لازم.
تعتقد أوكرانيا أن إزالة الوجود الروسي من سوريا أمر ضروري لأمن هذه الأمة والشرق الأوسط. ولن يؤدي استقرار سوريا إلى تسهيل عودة ملايين اللاجئين السوريين إلى وطنهم فحسب، بل سيفتح أيضًا فرصًا اقتصادية في جميع أنحاء المنطقة. وبالنسبة للدول المجاورة، بما في ذلك الأردن، يمكن أن يؤدي هذا إلى تعزيز العلاقات التجارية والشراكات الإقليمية، وتحويل تكلفة النزوح إلى أساس للنمو المستدام وتنفيذ مشاريع اقتصادية ملموسة.
وباعتبارها دولة تقدر السلامة والاستقرار والتعافي النابع من تجاربها الخاصة خلال العدوان الروسي، تدرك أوكرانيا أهمية إعادة بناء سوريا على أساس القيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والالتزام بالعدالة.
في عام 2022، أطلقت أوكرانيا برنامج "الحبوب من أوكرانيا" لمعالجة انعدام الأمن الغذائي العالمي. ومن خلال هذه المبادرة، تم تسليم أكثر من 286000 طن من المنتجات الزراعية الأساسية - القمح والدقيق والبازلاء والذرة والزيت النباتي - إلى دول على شفا المجاعة، وخاصة فلسطين. سوريا، باعتبارها واحدة من المستفيدين من البرنامج، تلقت مؤخرا 500 طن من دقيق القمح الأوكراني، وهو ما يكفي لإطعام 167 ألف شخص. هذه ليست سوى الدفعة الأولى من المساعدات الإنسانية الأوكرانية لسوريا مع المزيد في المستقبل القريب. تؤكد هذه المساعدة التزام أوكرانيا بالدعم الإنساني وقدرتها على ملء الفراغ الذي خلفته سياسات روسيا المدمرة في المنطقة، وخاصة في مجال الأمن الغذائي.
لقد تبنى الرئيس فولوديمير زيلينسكي موقفا استباقيا بشأن سوريا ما بعد الأسد. لقد أصدر تعليماته للحكومة الأوكرانية بإقامة اتصالات مباشرة مع ممثلي الشعب السوري وتصحيح الأخطاء التي ارتكبها نظام الأسد في العلاقات مع أوكرانيا. وتشمل توجيهاته تعزيز الجهود الإنسانية لأوكرانيا، مثل تنظيم عمليات تسليم المواد الغذائية من خلال برنامج "الحبوب من أوكرانيا". تعكس هذه الرؤية تطلعات أوكرانيا إلى سوريا التي تقدر شعبها وتلتزم بالقانون والمبادئ الدولية.
تتصور أوكرانيا حقبة سوريا ما بعد الأسد كفرصة لبناء العلاقات الثنائية البناءة المتجذرة في الاحترام المتبادل والتعاون. في الآونة الأخيرة، زار الوفد الأوكراني برئاسة وزير الخارجية أندري سيبيا دمشق لمناقشة تجديد العلاقات الدبلوماسية والتعاون في مجال الأمن الغذائي والتجارة والتعليم والتكنولوجيا. وخلال الزيارة، أعربت أوكرانيا عن استعدادها لمشاركة الخبرة في إعادة بناء البنية التحتية التي مزقتها الحرب في سوريا مؤكدا التناقض الصارخ مع إرث روسيا من القصف والقتل والتدمير.
وباعتبارها دولة متأثرة بشدة بجرائم الحرب الروسية، فإن أوكرانيا في وضع فريد لمساعدة سوريا في توثيق وملاحقة الفظائع المماثلة التي ارتكبها نظام الأسد وحلفاؤه الروس. واستناداً إلى خبرتها الخاصة في جمع الأدلة وملاحقة العدالة، فإن أوكرانيا مستعدة لتقديم خبرتها للسلطات السورية لتعزيز المساءلة والمصالحة.
خلال سنوات غذت روسيا عدم الاستقرار في سوريا، ومنعت ملايين اللاجئين من العودة إلى ديارهم. وعلى النقيض من ذلك، فإن نهج أوكرانيا مختلف جوهريًا: فهي تقدم الحبوب بدلاً من القنابل، والتعاون بدلاً من الخوف، والأمل بدلاً من اليأس. ومن خلال الاستفادة من القنوات الدبلوماسية والمساعدات الإنسانية والحوار السياسي، تسعى أوكرانيا إلى إعادة بناء سوريا على أساس الثقة والمنفعة المتبادلة.
ويتماشى هذا النهج مع الرؤية الأوسع لأوكرانيا للعالم الذي تسود فيه الحرية والعدالة والسلام على القوة الوحشية والقمع. ومن خلال ملء الفراغ الذي خلفته روسيا، لا تعمل أوكرانيا على تعزيز دورها على الساحة العالمية فحسب، بل تعمل أيضًا على تعزيز أمن المناطق الواقعة خارج حدودها.
إن جهود أوكرانيا في تحقيق الاستقرار في سوريا تجسد التزامها بالسلام العالمي وقدرتها أن تكون مثالا يحتذى به.
إن أوكرانيا، من خلال الجمع بين المساعدات الإنسانية، والمشاركة الدبلوماسية، والإيمان الراسخ بالقيم العالمية، تساعد في تحويل المنطقة التي مزقتها الحرب إلى منطقة مليئة بالأمل والتجديد. وهذا يعزز رسالة قوية مفادها أن الأنظمة الشمولية التي تقمع وتقتل شعوبها سوف تسقط حتما، ولكن الدول التي توحدها القيم العالمية والتعايش السلمي والقانون الدولي قادرة على إعادة البناء والازدهار.