الإرهاب والتطرف الفكري وتهديده للأمن الوطني
د. محمد العزة
11-01-2025 02:50 PM
(الإرهاب لا دين ولا وطن له)
لعله شعار أو عنوان لا يتخلف عليه أي أنسان أو إثنان على وجه هذه الخليقة ، التي جعل الله له الإنسان فيها خليفة ليستدل عليه بالفكر و التدبر و البرهان ثم الخيار له أما أن يعبده أو النكران فلا تزر وازرة وزر أخرى ، وبالرجوع إلى ترتيب موقع مصطلح الإرهاب ليسبق التطرف له داخل العنوان ، نجد أن العلاقة بينهما تتمثل بأن التطرف و الغلو هو أكبر مصدر و أهم الأسباب في صناعة الارهاب و نشأته و المغذي لنشاطاته و تحديد خيارات بنك أهدافه و يوضح أن الارهاب هو النتيجة النهائية لاي فكر سلبي متطرف متشدد يقطن عشوائيات المساحات الضيقة للعقل التي ترجح كفة التضليل و الجهل و تعزز ثقافة الإقصاء و محاولة منع إبداء أي رأي و قد تنتهي الأمور بأصدار احكام القتل استندا إلى شريعة و شرعية الخلافة وفهمها عند كل فئة من تيارات و مذاهب التطرف الفكري و هذا كان المغزى بأن نضع النتيجة ( الإرهاب ) يسبق السبب ( التطرف) في أول المقال.
بعيدا عن الدخول في تعقب نشأة و إسباب التطرف و رحلة مراحل تطوره التاريخية وأمثلة عليه ،لكن من العدل أن نطرح بعض الأمثلة للمجموعات المتطرفة و تهديدها أمن دولها وأثرها على السلم داخل مجتمعاتها ، وعلى سبيل الذكر وليس الحصر حركات و جماعات التطرف التي جمعت مابين الفكر الديني و السياسي فإذا ما رجعنا إلى بدايات القرن العشرين تحديدا 1920 و ظهور واحدة من أشهر الروابط الأخوية الدينية المتطرفة و تدعى "كلو كلوكس كلان kkk " وتعني اخوية الدائرة في الولايات المتحدة الأمريكية و وصل أوج شهرتها في خمسينات و ستينات القرن الماضي مع بداية بروز حركة المطالبة بحقوق الإنسان والحريات المدنية ، حيث كانت هذه الأخوية أو اخوان الصليب المعقوف تؤمن بالتفوق العرقي و تعادي الكاثوليك و البشرة السوداء ، ومارست العنف المجتمعي و جرائم القتل والحرق على أعواد الصليب ، من قبلها كانت الحركة الاحتلالية وبالرغم أنها حركة سياسية إلا أنهت جعلت اليهودية واجهة و هدفا لها في المطالبة بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، استنادا لميثولوجيا وسردية أرض الميعاد التي سخرت و دربت لأجلها اعداد من الحركات و المليشيات الإرهابية التي أرتكبت بحق الشعب الفلسطيني والعربي المئات من المجازر و جرائم الإبادة الجماعية والهجرة القسرية و إلى يومنا هذا ، التي صارت في ارشيف تاريخ موثق في ظل صمت رهيب وغريب مطبق من أغلبية المجتمع العالمي الغربي المدني المتحضر الداعم لها والعالم العربي ، و لتشهد أوروبا صعود النازية و الفاشية و الثورة البلشفية التي أشعلت نيران الحروب العالمية التي أزهقت ملايين الأرواح البشرية و ساهمت في القضاء على كل معالم الحياة العمرانية و المدنية وغيرها العابرة للقارات في اسيا وافريقيا كما في مانيمار و رواندا.
في عالمنا العربي ظهرت هذه التيارات و انقسمت حالة نشوء و ولادة الحركات مابين الفكر الايدلوجي السياسي و العقائدي الديني ، فكانت حركات اليسار و التيار القومي الثوري و مرجعيتها الرمزية والفكرية و قيادتها التاريخية التي تصدرت فترة الخمسينات والستينات والتي انتهت تقريبا مع سقوط دول المنشأ و المرجعية كهياكل تنظيمية ولكن كفر فهو باق لأنه لا يموت ولكنه قابل للتجدد و للاسف هذا الجناح تصلب واصاب نفسه بحالة من التوحد و البقاء في القرن الماضي و أقام حوله من الجدران و قابلها في الطرف الآخر في الأربعينات التنظيم الإخواني الديني الذين ارتكز على فكر قيم الشخصية و الكاريزما الخاصة به و خصائص قيادته للتنظيم و ما هو مناسب من تفسير النصوص الشرعية التي تخدم و تدعم فكرة شرعية التنظيم وأهدافه و خاض كلاهما معترك السياسة و امتد إلى تكوين المجموعات العسكرية التابعة لهما و للأمانة و التاريخ كان كلا التيارين سببا أو طرفا في اندلاع أحداث أمنية داخل أوطانهم و دولهم و مجتمعهم تعصبا و انتصار كل منهما لنهجهما ، اعتقادا جازما بأنه صاحب الأحقية بنشر و تطبيق رؤيته و الوصاية على مجتمعه في التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية لكنهما فشلا و كان الحصاد سلبا و سالبا السبب يعزى أن كلاهما لم يمتلك فكرا وطنيا من اصلاب رحم الوعي بأهداف المخططات و أهدافها المستهدفة لاوطانهم أو يدركوها لكن نزعة السلطة و الفوقية بينهما و حالة الاختلاف الفكرية والصراعات السياسية فخسروا معركة توحيد المجتمعات ضد أعداء الخارج و صاروا أحدا الهويات الفرعية التي انسخلت و انبثقت عنهم تيارات ما بين معتدلة أو أخرى أكثر تشددا و تطرفا وتسببت في تقسيم المجتمعات داخل الاوطان العربية هوياتيا و تسببت في حوادث منها كأمثلة احداث الأمن الداخلي الاردني و الحرب الأهلية اللبنانية، و حالة الاقتتال الطائفية الدينية على الساحة العراقية و السورية .
في الشق الذي يخص تهديد التطرف والإرهاب للأمن الوطني الاردني و كيفية خدمته للمشروع الاحتلالي، الكل يعلم مع ضعف قوى اليسار السياسي بعد سقوط المعسكر الشيوعي و معسكرات القومية وأتجاهها نحو التخلي عن ادوات النهج العسكري في بداية التسعينات ، و حدوث انشقاقات في صفوفها وتشكل حركات سياسية أكثر اعتدلا ذات التوجه لاستخدام ادوات الديمقراطية و المدنية و تبني تكتيكات الديبلوماسية الفاعلة و استراتجياتها والتي استطاعت في الولوج إلى فهم عقل الاخر و خاصة الغربي الداعم للثكنة العسكرية الاسرائيلية و شكلت قوة ضاغطة في ضحد شعار ديمقراطية و حضارية تلك الثكنة بل كشفت القناع عن وحشية و ممارساتها اللانسانية و اللاأخلاقية و الفصل العنصرية ، على عكس التيار الديني الذي تفرع من فكره و عباءته جماعات متعددة المذهبية الطائفية استفادت من حالة الانهيار و الفراغ و التغيرات السياسية في منظومة الحكم والسلطة لبعض الدول العربية و ملء الفراغ مع وجود دعم خارجي من دول لها مشاريعها و اطماعها السياسية و الاقتصادية في المنطقة العربيةواستخدمت هذا النموذج بما يناسبها لتغذية قوى مجتمعية وبناء تيارات و معسكرات متصارعة ، الاردن عانى من تداعيات تطرفها و ارهابها و دفع دماء و شهداء وقدم تضحيات عدة قربانا لحماية هذا الثرى في حربه على خوارج العصر سواء من كانوا في لباس الحملان أو الغيلان ، الذين اغتالوا ناهض حتر و معاذ الكساسبة و سائد المعايطة و راشد الزيود و محمد الدلابيح و شهداء البقعة و مخيم الركبان و تفجيرات الفنادق فهم لم يفرقوا مابين مدني أو عسكري لأن هدفهم اوطان .
الوضع الأمني غير مستقر في الجوار حيث لا يوجد سيطرة على كل الفصائل وأغلبها من رحم الفكر الداعشي و السلفي والشيعي المتدين المتشدد وقد نتوقع محاولات تواصل مع الداخل ، الذي يحتم واجب اتخاذ تدابير تحصين الوعي الفكري عند فئات المجتمع المختلفة وخاصة الشباب داخل التجمعات السكانية خاصة التي تعاني من الفقر و البطالة وتعتبر بؤر و تربة خصبة للتأثر بهكذا فكر تحت مغريات مادية و مخاطبة المشاعر والعاطفة الدينية ، الهادفة إلى تكوين فكر مبني على فهم محدد يتم تدعيمه بنصوص و روايات دينية و تاريخية تدفع هذه الفئة نحو تشكيل حالة أو تيار لا يوجد في قاموسه و تعامله و سلوكه التعددية و الوسطية والاعتدال و تبادل وجهات النظر ، و يدعو إلى الانعزال و محاولة إثبات صحة فكرهم و عقيدتهم وان تطبيقها و جوبا هو الحق و غيرها باطل و مصدر وبال على المجتمع و الأمة، وهذا السلوك لا يصب الا في خدمة المشروع الاحتلالي الذي يستهدف الاردن و اضعافه ، الأمر الذي يلقي على عاتقنا جميعا واجب اتخاذ كل الإجراءات والتدابير (الاقتصادية و الإدارية و السياسية و تحسين ظروف المواطن المعيشية و الأمنية ) على مستوى حكومات و شارع و الالتزام بما جاء في مسارات التحديث الثلاث التي تسهم في أضعاف هذا الفكر و ذرائعه و سد اي ثغرة تضعف الدولة الأردنية و هويتها الوطنية الواحدة الجامعة و جبهتها الداخلية و دمج و صهر كل الهويات الفرعية من مختلف المشارب الفكرية والسياسة لأجل بناء اردني قوي صلبا للدفاع عن نفسه و قضيته المركزية و صموده في وجه مخططات الثكنة العسكرية الاسرائيلية التوسعية.