facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العناني يكتب: قانون الموازنة العامة ومجلس النواب


د. جواد العناني
10-01-2025 06:33 PM

تابعت باهتمام شديد خطابات السادة الأفاضل والفضليات أعضاء مجلس النواب الأردني وتعليقاتهم على مشروع قانون الموازنة العامة. وقد أنصت باهتمام بالغ لكل ما قُريء أو جاشت به قريحة البعض ارتجالاً، أو ما خلط بين الاثنين. ومن مجموع الخمسين خطاباً أو أكثر التي اتيحت لي فرصة الانصات إليها استطيع القول أنها عينة شاملة لكل أنواع الحجج والمواقف التي وردت في كلمات أعضاء المجلس.

واتهم كثير من النواب أن الموازنة جاءت تقليدية لا تختلف عن سابقاتها من مشاريع الموازنة، وأنْ ليس فيها جديد مختلف يعطي الشعب الأردني فسحة الأمل بأن القادم أفضل. ولا أدري ما الذي قصده أي نائب أثار هذه النقطة إلى ما يعنيه بالتغيير الذي توقعه. هل كان المقصود هو تغيير هيكل الموازنة وتبويبها؟ أم كان المقصود تغيير النسب في مصادر الإيرادات وأوجه النفقات؟ وإذا كان المقصود هو هيكل الموازنة وأبوابها فإن هذا المطلب ليس متاحاً وليس له قيمة كبيرة لأن معظم موازنات الدول في العالم تتبع نفس الهيكلية.


أما إذا كان المقصود هو تغيير النسب في مصادر الضريبة أو في نسب الانفاق، فهذا أمر آخر كلية. وقد اقترح بعض النواب أن تكون الإيرادات أكثر اعتماداً على الضرائب المباشرة بدلاً من الضرائب غير المباشرة. وبمعنى آخر فهم يريدون لمفهوم تصاعدية الضرائب أن يأخذ مداه، ولكن أحداً لم يقل لنا ما هذا المدى. هل هو 40%، 50% أو أكثر أو أقل؟ وهل احتسب هؤلاء مثلاً اقتطاعات الضمان الاجتماعي جزءاً من العبء الضريبي؟ وإذا فرضاً زادت نسب الضرائب حتى وصلت 50% كحد أعلى فهل هذا يعني أن الحكومة سوف تجمع مبالغ أكبر، أم أنها ستجمع مبالغ أقل؟ وهذه نظرية ابن خلدون، والتي فسرت حديثاً بمنحنى الصريبة المقلوب، والذي يؤكد أن الضريبة إن زادت عن نسبة معينة فسيقل التحصيل منها، إما بامتناع رجال الأعمال عن التوسع في الأعمال، أو عن طريق الاستفادة من فرص التجنب الضريبي.

والأطرف أن بعض النواب، ومنهم إسلاميون، قالوا إن ضريبة المبيعات هي ضريبة ظالمة لأنها تأخذ نفس النسبة من الغني والفقير متى ما اشتري كلاهما نفس السلع. وهذا المنطق يبدو ظاهرياً صحيحاً، ولكنه في حقيقته قد يجانب الصواب. والسبب الأول هو أن انفاق الغني أكبر حجما وأوسع نظاماً من نفقات أفراد الطبقة المتوسطة أو الفقيرة. وهناك إعفاءات بل ودعم لبعض السلع الرئيسية والتي يستهلك منها الفقراء ومتوسطو الحال نسباً أعلى من الأغنياء. والسبب الثاني هو أن الزكاة التي جعلها الله فريضة جاءت بنسبة ثابتة، فهل يعني هذا أنها غير عادلة؟

لقد ثبت من دراسات كثيرة أن الضرائب التصاعدية هي أكثرها ظلماً عند التطبيق. وقد أجرت مجلة " الايكونومست" البريطانية دراسة قبل العديد من السنوات تبين منها أن الضرائب في المملكة المتحدة وفي الولايات المتحدة حيث التطبيق الصارم للضرائب أن الأغنياء يدفعون نسباً متناقصة على دخولهم. ويعود السبب إلى أن السياسة الضريبية لا يُقصد منها التحصيل فقط، ولكنْ تنقص الضرائب وتزاد حسب السياسات الاقتصادية للدول فإن كان الهدف هو تحقيق توزيع أكثر عدلاً للدخول رفعت الضرائب إلى الحد الأعلى الممكن. وإذا كان المقصود تشجيع الاستثمار، فإن الحوافز الضريبية المشجعة للأغنياء تخفض بشرط أن يعيدوا استثمار أموالهم في الاقتصاد لخلق مزيد من فرص العمل، ولتحسين وسائل الإنتاج التنافسية في الأسواق الخارجية.

ولذلك فإن المنطق يملي ألا نحصر الهدف من الضرائب في زيادة الإيرادات، بل إن الرفع والتخفيض يجب أن يخضع للاعتبارات الثلاث التي تشكل السند الرئيسي للضرائب وللسياسة المالية برمتها، وهي رفد إيرادات الحكومة لتنفق منها، وتحقيق عدالة أفضل في التوزيع، وتحقيق النمو. وليس بالضرورة أن تتوافق الأهداف الثلاثة، فزيادة الاستثمار قد تعني تقليل نسب الضرائب، بينما تتطلب مقتضيات العدالة زيادتها. ولذلك يجب أن يرتبط رفع الضرائب بالهدف المنشود منها. ومما قاله النواب، فإن التوزيع والنمو قد لا يتحققان معاً في نفس الوقت. فما هي أفضلية أو أولوية السادة النواب؟

أما من ناحية أوجه الانفاق، فإن متطلبات النواب لا تخضع لمنطق واضح يمكن فهمه أو بالأحرى تطبيقه. فعلى المستوى الكلي ينادي معظم النواب بضرورة تخفيض العجز الحكومي، ويطالبون بناء على ذلك بتقليص المديونية المتصاعدة. وهذا قول سليم ولا غبار عليه، ولكنه لا يعكس صعوبات الحياه التي تواجهها الحكومات. وبمعنى آخر، فإن نفس النائب الذي يطالب بتقليل العجز، وضبط المديونية، وزيادة الانفاق الرأسمالي ( لم أسمع في أي خطاب رضا عن حجم المخصصات الرأسمالية الواردة في موازنة 2025 بل طولب بزيادتها). في نفس الوقت الذي طالبنا فيه بذلك قُدمت على مستوى المناطق والمحليات مئات الطلبات المتراوحة بين زيادة رواتب الموظفين، وزيادة الرواتب التقاعدية، وابداء عدم الرضا عن الحد الأدنى للأجور. وطولبت الحكومة بتنفيذ مئات المشروعات لتحسين البنى التحتية أو زيادة المستشفيات والعيادات والمدارس. فكيف توفق بين كل هذه المتناقضات؟

يجب أن نتفهم أن النواب، وبخاصة الجدد منهم، يشكل مشروع مناقشة الموازنة فرصة للافصاح عن أفكارهم وطموحاتهم وتطلعاتهم التي استمعوا إليها من الناخبين الذين أوصلوهم إلى كراسي النيابة. وهذا حقهم، وليس المطلوب منهم أن يكونوا مختصين في الاقتصاد والمالية العامة وعلم المحاسبة حتى يعبروا عما يجيش في صدور الناخبين. وهذا يتطلب أمرين. الأول هو أن تكون اللجنة المالية التي تنفق أسابيع على مناقشة الموازنة قادرة على تعقيل الطلبات، وأنني طوال استماعي إلى الخطابات فإن غالبية النواب الذين أشاروا إلى تقرير اللجنة المالية وتوصياتها لم يناقشوا تقريرها، بل ولم يشيروا إليه، علماً أن النقاش العام هو عملياً ليس لمشروع الموازنة، بل لتقرير اللجنة المالية. وهذه نقطة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. واما الأمر الثاني فهو إن ( 41) نائباً كانوا يمثلون الأحزاب. وقد ألقيت عن كل حزب كلمة تمثل مجموع آراء أعضاء ذلك الحزب، فلماذا قام هؤلاء النواب بإلقاء كلمات قدموا فيها مطالب محلية؟ هذا لا يجوز لأن هؤلاء نواب وطن وليسوا نواب منطقة بعينها. ونحن نسير باتجاه زيادة الأعضاء الممثلين للأحزاب، فهل ستسمع خطاب كل حزب، ثم نسمع بعد ذلك إلى مطلبيات من كل نائب عن الحزب؟

أما النقطة الأخيرة التي أود الإشارة إليها. فهو ما قاله بعض السادة النواب( ثلاثة على ما اعتقد) عن مجلس إدارة شركة الفوسفات الأردنية، وخصوا بالذكر معالي د. محمد الذنيبات رئيس المجلس. ماذا كنتم تتوقعون من الرجل أن يفعل؟ هل يتنازل عن حقوقه التي نشأت بموجب أنظمة الشركة الداخلية؟ ولذلك يصبح السؤال القابل للنقاش واحداً
من اثنين أو كليهما. الأول هل خالف رئيس المجلس القانون أو أنظمة الشركة؟ فإذا فعل ذلك فليحاسب من قبل الجهة المختصة، وإن لم يفعل ورأى النواب أن حقوقه كبيرة وتؤثر على إيرادات الحكومة من أرباح وضرائب، فيجب أن يضغطوا على الوزير المسؤول لكي يطلب إعادة النظر في أنظمة الشركة لكي لا تسمح بأن تصبح عوائد رئيس مجلس اداراتها أو رئيسها التنفيذي أو أي عضو من أعضائها متجاوزة الحدود المنطقية والمعقولة. أما أن يتحول مجلس النواب إلى مسرح للانتقامات، فهذا مخل بسمعة المجلس المحترم، ومؤذ لمسيرة الديمقراطية والإصلاح الذي ننشده في هذا البلد. وتدخل النواب في عمل الشركة بهذا الشكل مرفوض، ولكن لهم الحق كل الحق بسبب مراعاة الفصل بين السلطات أن يطالبوا الجهة التنفيذية المعنية بإجراء اللازم. وأما تشكيل لجنة تحقيق من مجلس النواب لبحث هذا الأمر فهو إجراء مشكوك في دستوريته، وأخشى إن فتحنا هذا الباب، أن نقتل فرص الاستثمار في بلدنا العزيز.

كانت هنالك خطابات موفقة. ولكن الزمان قد ولى على عشرات الخطابات المكررة، وعلى مجلس نوابنا الكريم أن يعلم أن النيابة هي جزء من نسيج الدولة، وأنها تتحمل المسؤولية الكبرى في الحفاظ على دستورية قرارتها مثل فصل السلطات، وتعقيل الطلبات، والاعتماد على الدراسات الرصينة. أما هذا النقاش الذي يصل بعضه إلى حد الاستعراض فلا داعي له في زمن التحديات الصعبة.

على العموم، فإن النقاش الذي جاء على ألسنة كثير من النواب الجدد هو بداية لا بأس بها، يجب ألا تحبطنا على الاطلاق. وإنني متأكد أن الإصرار على تجويد أداء مجلس النواب هو هدف وطني يرعاه جلالة الملك. ولننتظرلنرى كيف ستناقش الموازنة العامة 2026.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :