سلامة يكتب: سميح والشيشان .. ووطننا الهاشمي
أحمد سلامة
10-01-2025 03:00 PM
نشرت ( عمون ) ، خبر قرار الرئيس الشيشاني ( قديروف ) تكريم نخبة عسكرية من جنرالات الاردن من اصول شيشانية واعتبارهم ابطالا وطنيين في بلادهم جمهورية الشيشان ، واضاف بالتكريم ان كل طفل سيلد ويحمل اسم ( سميح ) هذا العام سيتلقى جائزة كبرى اعلاءً من شأن هذا البطل الاردني الشيشاني (سميح باشا موسى بينو ) اطال الله في عمره ..
الحبيب الاخ النبيل سميح بينو تاخينا في الحياة مبكرا ، ولقد اوسع قلبي هذا الخبر فخارا وزهاء.. وليس مرد المباهاة لهذا التكريم انه اشتمل على تكريم المكرم في وطنه الاردني وحسب، بل ان هذه القصة وطنية محترمة تدخل في اطار التراث الوطني السامي لاردننا صاحب المبادرات الكبرى، والنخوات الابية ..
ولهذه القصة تكريم سميح بينو من رئيس جمهورية الشيشان عدة حواف سأحاول ملامستها او الاحاطة ببعضها تقديرا لاخ كريم هو سميح بينو الذي يستحق التبجيل دوما !!
وايضا.. ابتهاجا بخياراتنا الوطنية التي وهبت التنوع والتعدد قيمة انسانية قصوى اثبت هذا التكريم من رئيس دولة شقيقة لنا في الدين اننا بلد نخطو صوب المنهج الصائب .
الحافة الاولى: التاريخ يقول هولاء الشركس وأولئك الشيشان هم قصة ساحرة في تاريخنا الوطني ولونهم كان قبل كل شيء يمت الى الدين والولاء للبيت الهاشمي قبل المغانم والمسميات الجديدة… حين قدم ملك العز وصانع الوطن على هيئته فصنع وطنا يملؤه العز والحب والتسامي ، الشهيد الذي وهب الملكية صفة مضافة، الاستشهاد في سبيل الله والقدس كشريف ورث الشهادة صفة والملكية لقبا -عبدالله يرحمه الله- حين وفد الى ( معان آخر الحجاز في بلاد الشام وقتذاك ) متجها الى دمشق لتحريرها من ( الحاقد المتعصب غورو الفرنسي ) ، التمس شراكسة الاردن الذين ( فاءوا اليها ) وهذا التعبير استله الملك المؤسس من القرآن الكريم وسما لكل من إلتجأ الى الحمى الهاشمي وكان يبغض استعمال كلمة ( لاجئ ) في مجلسه… شراكسة الاردن امتطوا خيولهم ووضعوا انفسهم تحت أمر الملك بغية حمايته من اي سوء ولما قيل لهم ان الدولة لم تنشأ بعد ولا رواتب مخصصة لهذه المهمة أجاب كبيرهم عنهم : نحن نفخر بأننا نحرس ( ابن بنت رسول الله )" !! ..
هنا مربط الفرس في النشوء والارتقاء لهذا التكوين العربي العظيم وهذه اول مزاياه لخصها ذلك الشركسي الذي اكرمه الملك الشهيد بأن قرر ان يظل الشركس حرس بوابات قصره أنى بقي العرش باذن الله .
الاردن بلد الرسالة وليست الاردن إلا روح الامة العربية كلها ودافعها الاسلام .
الحافة الثانية: إن هذا التكريم الذي خص به الرئيس قديروف الجنرالات الشيشان الخمس في الاردن ، قد استند على الجنرالات الذين كرموا في وطنهم حيث (فاءوا) في هذا الحمى الهاشمي الاردني العربي المميز في عروبته وانسانيته اذ ان كل الجنرالات وعلى رأسهم صاحبنا الغالي ( ابو ماهر ) سميح ، وهناك ابو ماهر ايضا احد ابطالنا الوطنيين يرحمه الله ( الباشا محمد بشير ) من شيشان السخنة وامين عمان وقائد استخباراتنا العسكرية في احلك الظروف الوطنية ووزير زراعة .
كل أشاوس الشيشان قد أكرمهم وطنهم ووقفوا جميعا في رحاب العرش، ونالوا ما يستحقونه من التفاتة وطنية تكريما لبطولاتهم الوطنية، وكما هو واضح ان قرار قديروف قد اقتصر على خريجي المدرسة العسكرية والامنية .. وهذا يوجب علينا استذكار رجالات الشيشان المدنيين الذين نهضوا بواجبهم بخير أداء
من منا لا يتذكر دور قاسم بولاد رحمه الله في تكوين بلدية الزرقاء مدينة العسكر والمعسكر.. من منا لا يترحم على تلك الهيئة الوطنية الممعنة في التدين وحسن اصلاح ذات البين والتفرغ للوزارة والعمل البرلماني المرحوم الشيخ عبد الباقي جمو يرحمه الله ..
من ينسى مجاهدات المرحوم سعيد بينو ( ابو هاشم ) الذي في موقعه كوزير للاشغال قد قدم ذوب فؤاده للاردن !! .. وغيرهم الكثير الكثير
لكن التكريم قد انصب او تناول الجانب العسكري .
الحافة الثالثة: ثمة شيشان في العراق دفعوا دمهم دفاعا عن عروبة العراق ، وثمة شيشان بالهضبة السورية قدموا أزكى الدماء والجهد دفاعا عن عروبة دمشق حتى اسطنبول ثمة جنرالات شركس وشيشان في كل منعرجات المؤسسة العسكرية التركية ولم يصبهم التكريم كما اتضح من الخبر .
ومع كل التقدير( لشيشاننا ) فذلك لا يعني تميزا لهم عن غيرهم الا في أمر واحد انهم اردنيون، والاردن تدري كيف تكرم ابطالها .. فأكرم قديروف المكرمين
الحافة الرابعة: شخصية ولحظة وفاء لسميح بينو
أكون مجافيا للحقيقة ان قلت ان تكريم اي تكريم للاخ الغالي سميح بينو لا يفرحني ولا يرفع من معنوياتي ولا يذكرني بكل نبيل وصادق .. ونحن في عصر (التفاحة الامريكية المخشومة) شعار النبوة الامريكية المجنونة الآي فون قد صرنا نخحل من الحب ونباهي بالكراهية والعادات الامريكية القبيحة المستلهمة ، فالصداقة في عصر ما قبل ( المغرمة / المكرهة / العولمة ) كلها كانت دافئة، لذا سأكتب عن صداقتي الاخوية لسميح بينو احدى اهم صداقات عمري الثابتة
والتي لم تتعرض لأي إنحناء منذ قرابة الخمسة واربعين عاماً..
دوما أسال نفسي: لماذا يبخل الناس على بعضهم بالحسنى وذكر المليح ؟!!
قال لي العزيز هاني البدري ذات يوم : ثمة أمر عجيب "يا بو رفعت" لقد كتبت عن كل الناس وبحب، ولا يكتب عنك احد، كان ذلك في باب تحريضي للتشرف بالظهور على برنامجه ( النيران ).. واكمل… ممكن تفسرلي !! ..
أجبته بابتسامة ( نيال الذي يقدره الله ويعطي العطاء احب الى قلبي من الاخذ يا بو فرح )، وانهيت .. انا ما عندي طموح ان يكتب عن سيرتي احد فقط اتمنى الاقلال من التشويه في الدوافع والنوايا ..
أعود للحبيب سميح بينو… عرفته عام ١٩٨٢ م على رصيف صديق اغلى من الاخ وانبل هو الحبيب عمران خير رحمه الله، وبغية تبديد بين ما هو امني وانساني
فلقد كانت معرفتي بالاخ عمران أخوية انسانية كاملة ( جمعتنا تجربة الدراسة معا في الدراسات العليا بدبلوم الصحافة والاعلام ) كنا محموعة صداقة حميمة (مها الصايغ ، وبتول القلا ، وفايزة الخطيب ، وعمران خير ، ونادر حوراني ، ومحمود عبيدات ، ومحمد زاهد الحناوي ، وانا ).. كنا ندرس معا ونحكي معا ونبحث معا ونتعشى معا.. وعرفنا على بعضنا ذات لقاء حميم في مناسبة اجتماعية عمران خير ، ومن يومها صار سميح احد اصدقاء مجموعتنا الاخرى ( مروان كمال ، وامين محمود ، ومحمد يوسف ، وانا )، كانوا مجموعة اكاديمية نلعب الورق في رمضان ومن ثم حين التحقت بالعمل في الديوان الملكي الهاشمي العامر
طرأ على تلك المجموعة بعض تعديلات واضافات ( سمير الرفاعي ، عون الخصاونة ، ميشيل حمارنة ، ومحمد السقاف ).. كذلك تم دمج المجموعتين في بعضهما البعض على نحو رمضاني ( اقصد تخلو العلاقة من اي هدف سياسي ) مجموعة زملاء المهنة السابقة ( الصحافة ) و ( المهمة اللاحقة الديوان الملكي )، فكنت ترى في حديقة بيت العم المرحوم دولة زيد الرفاعي على العشاء في احدى مآدب سمير الرفاعي المدججة بالطيب والكرم كنت ترى سميح بينو وعبد الله العتوم ، سمير الحياري ، محمد الخطايبة ، باسم سكجها ، ميشيل حمارنة ، وانا ) .
كانت المجموعات البشرية الفاعلة في اجهزة الدولة تتناغم بمحبة وصدق، وكان إدماج الناس في بعضها البعض سمة من سمات عملنا الوطني نحرص على تكريسه، ولم نكن نبخل على بعضنا البعض أبدا بالنصح وبالنقد وبالمصارحة الصادقة إن لزم الأمر وكان كل في موقعه وأحب ان اسجل هنا نقطة للتاريخ أن
اكثر من علق في ذهني قدرة وجرأة على التعلم والانفتاح والمرونة في كل ذلك العصر كان سميح بينو وسمير الرفاعي، فسميح ابن الموسسة الامنية المتزمتة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ومع ذلك كان منفتحا بطيب خاطر وبأخوية تذهل كل من يلقاه ، وبالرغم ان سمعته كانت تسبقه في الشجاعة والجسارة والاقدام كان سميح بينو هو الظاهرة القيادية الامنية الشائعة الذائع صيتها في كل الاردن، وعند المساء كنا نركن الى بعضنا البعض نتحاكى في الراهن ونقلب اوجاع وطموحات الوطن بتكافؤ وندية ومرونة .
أما سمير الرفاعي "ابن هارفرد" فلقد تمكن من التكيف والتأقلم بأن يتعشى في منزلي ب ( ابو نصير ) ويسمع النقد المر للدولة ويتقبل ويتفصح، كان سمير الرفاعي ظاهرة سياسية تحتاج الى كتابة خاصة سأوفيها حقها عما قريب سميح بينو أزلم صديق واكرم أخ واطيب انسان واشرس ضابط تحقيق ميداني، كانت اسطورة السبعينات حين تجالس احدا ويريد ان يضفي بطولة على وضعه يبدأ ( حقق معي سميح بينو ).
سميح بينو بطل اردني صميم وفارس شيشاني مقتدر تشرفت بحبه، ربما هو دفع اثمانا باهظة جراء صداقتنا وما وهن، وربما انني اقدمت على ذات التحمل وما ترددت اخوته مدرسة ووطنيته حكمة .
أدام الله عافيته وعمره..