دروس من قصة داود وجالوت وواقع غزة
د. هاني الضمور
10-01-2025 01:19 PM
قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” (سورة البقرة: 249). هذه الآية تجسد واحدة من أروع القصص التاريخية التي خلّدت انتصار الضعيف بإيمانه وحكمته على الطغيان الجائر، ألا وهي قصة داود وجالوت.
في زمن بعيد، كان بنو إسرائيل يواجهون جيشًا ضخمًا بقيادة المحارب الشرس جالوت. ورغم قوة هذا الجيش وجبروته، إلا أن النصر لم يكن حليف القوة العسكرية، بل كان حليف الإيمان والشجاعة. تقدم داود، الفتى الصغير ذو البنية الضعيفة، لمواجهة جالوت. لم يملك داود سوى حجر ومقلاع، ولكنه امتلك أعظم سلاح: اليقين بالله.
حين واجه داود جالوت، رمى بحجر صغير أصاب جبهة الطاغية وأسقطه أرضًا، لينتصر الفتى الضعيف على العدو القوي. كان هذا الانتصار درسًا خالدًا في أن الإيمان والاعتماد على الله يتفوقان على أي قوة ظاهرة مهما بلغت عظمتها.
واليوم، يتكرر هذا المشهد في غزة، حيث يواجه شعب مستضعف آلة حرب ضخمة وعدوًا يملك كل أدوات القوة المادية. ومع ذلك، فإن أهل غزة، كداود، يعتمدون على إيمانهم وصمودهم. رغم الحصار والقصف، ورغم قلة الإمكانيات، يقفون ثابتين في وجه العدو، مؤمنين بأن الله ناصرهم لا محالة.
قصة داود وجالوت ليست مجرد حكاية تاريخية، بل هي نموذج حي يتكرر في كل زمان ومكان. إنها تذكرنا بأن النصر لا يُقاس بحجم القوة المادية، بل بإرادة الحق وإيمان الضعفاء بعدالة قضيتهم.
كما قال الله تعالى: “إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” (سورة محمد: 7). أهل غزة اليوم يعيشون هذا الإيمان عمليًا؛ يواجهون بأسلحة بسيطة وأرواح مليئة بالعزيمة، ليؤكدوا للعالم أن الظلم مهما طال، لا بد أن ينهزم أمام صمود أهل الحق.
ختامًا، قصة داود وجالوت تقدم لنا درسًا خالدًا: مهما بلغت قوة الطغيان، فإن الإيمان بالله والتوكل عليه قادران على قلب الموازين وتحقيق النصر. هذا ما يعلمه لنا التاريخ، وهذا ما نراه اليوم في صمود غزة، التي ستبقى رمزًا للثبات والشجاعة في وجه الظلم.