"الشعر العربي من الثبات للتحوّل" ندوة ضمن مهرجان الشارقة للشعر العربي
10-01-2025 09:21 AM
عمون - ناقشت الندوة الفكرية المصاحبة لمهرجان الشارقة للشعر العربي "21"، موضوعاً نقدياً لافتاً تحت عنوان "الشعر العربي من الثبات إلى التحوّل"، وأقيمت (الندوة) على جلستين في قصر الثقافة في الشارقة، حيث تحدث في الجلسة الأولى د. محمد أبو الشوارب (مصر)، و د. سلطان الزغول (الأردن)، و د. ولد متالي لمرابط (موريتانيا)، وترأسها الناقدة التونسية د. سماح حمدي، أما الجلسة الثانية فقد شارك فيها: د. عبدالله الخضير ( السعودية)، و د. إيمان عصام خلف ( مصر)، وترأسها د. عبدالرزاق الربيعي (عُمان)، بحضور الشاعر محمد البريكي مدير بيت الشعر بالشارقة، وعدد كبير من الشعراء والمهتمين بالجانب النقدي.
واهتم الباحثون والدارسون بتحليل تاريخ نشأت الشعر العربي وتطوره؛ مؤكدين أنه ظل قادراً على إحداث فرق حضاري حقيقي على مرّ العصور والثقافات، وكان أساساً قوياً لتطور الأدب، وتنمية الوعي الإنساني.
كما حاول المتحدثون سبر أغوار أسرار الشعر الدفينة، التي كانت تكشف في كل مرّة عن وجود كنوز معرفية لا حصر لها، ومجالات بحثية غزيرة، ينهل النقد منها ولا يرتوي البتة.
وفي الجلسة الأولى، تحدث الباحث د.محمد أبو الشوارب بورقة بحثية تحمل عنوان"أوّلية الشعر العربي"، قدم فيها رحلة بدايات الشعر العربي عبر الزمن، واستعرض في طياته تاريخ نشأة القصيدة، والفرضيات التي اتصلت بها، وحلل البنية الفنية للقصيدة العربية المكتملة العناصر اللغوية والصوّرية والشكلية، ولخص إلى كونها تعتمد بشكل رئيس على مقولة القيم الخلقية والاجتماعية بوصفها أساساً لإنتاج الخطاب الشعري على نحو يؤكد بروز هذا الاتجاه في مرحلة باكرة من تاريخ الشعر العربي القديم.
وبعدها نقلنا الباحث د.سلطان زغلول بعنوان في مسارات بحثه "التناص الشعري بين القديم والحديث"،واختار أن يحلّل تأثير النص القديم في التجارب الشعرية المعاصرة، ودور التاريخ في التمهيد لنظرية التناص، كما أشار إلى ضرورة وجود حس تاريخي لدى الشاعر عبر عرض نماذج تعكس أهمية هذه العملية الاطلاعية، ويؤكد أن الشعراء العرب قد أبدعوا في استلهام التراث الشعري العربي وإعادة إنتاجه إبداعياً عبر التناص؛ فالتراث الشعري العربي يشكل مرجعية لاغنى عنها للشاعر الحديث في أي بناء جديد يعبر عن هموم عصره وإشكالاته الخاصة.
وتناول الباحث د. ولد متالي لمرابط بورقته البحثية بعنوان "الرمز وتحوّل الدلالات"، إحدى أهم ركائز الشعر، وهي الدلالة ومايتصل بها من استخدام الرمز، وفاعلية الانزياح والغموض والمفارقة وغيرها، ويبين قيمتها وما لحق بها من تحولات، وتباين استخدامها بين مختلف التجارب الشعرية المعاصرة. ويرى أن الترميز يشكل إحدى أهم السمات الفنية والدلالية التي وظفها الشعر العربي المعاصر، وقد جاء وليد عوامل فنية وثقافية وتجريبية، دفعت الشعراء المعاصرين إلى الاشتغال على هذا المنحى وتجذيره في تجربتهم الكتابية.
في الجلسة الثانية، استهل د. عبدالله الخضير الحديث بورقة تحمل عنوان "العتبات النصيّة من التقليد إلى التجديد"، لافتاً الى ان العتبة كما جاء في لسان العرب هي: "أُسْكُفّةُ الباب التي تُوطأُ". وتُسمّى بعتباتِ النصِّ مجازاً في الدّورِ الذي تقومُ بهِ بوصفِها مَدْخلاً يُعبر به إلى النصِّ.
وأوضح الخضير :" إنّ لكلّ بناء مدخل، ولكلّ مدخل عتبة، ولكلّ عتبة هيئة، مشيراً الى ان الدراسات النقديّة تنظرُ إلى العتبات على أنّها مفتاحٌ مهمٌّ في دراسة النصوص".
وتحدث عن العتبات في مصادر النقد العربي القديم، وذكر أن النقّاد القدامى ابدوا في تراثنا العربي اهتماماً بما عُرف بالرؤوس الثمانية في مؤلفاتهم، وكشف ان بعض كتب النقد القديم أولتْ اهتماماً لعتبات النصّ الموازي، قائلاً: إذا نظرنا إلى إبداعنا الأدبي نجد أنّ الأديب التراثي لم يعتنِ بعنونة قصائده وكتبه، ولم يكن هذا من مجالات اهتمامه، لذلك كانت تردنا المقطوعات الشعريّة والنثريّة دون احتفال بالعنوان، وأحياناً تُسمّى القصائد بمطالعها
ولفت الى أن بعض النقّاد العرب في القرن الثالث الهجري لم يتخلّوا عن حتمية نسبة الأشعار إلى قائليها، وذكر رواتها، وهذا كلُّه من منطلق العناية الفائقة بالجهد الإنساني، بالإبداع، بالتميّز.
وأعتبر ان العتبات النصيّة في الدرس النقدي الحديث والمعاصر امتداداً للدراسات ما بعد البنيوية، التي حوّلت نظرتها إلى النصّ من كونه بِنية مُغلقة تحركها علاقات داخلية إلى بِنية مفتوحة.
وبدورها تحدثت د. إيمان عصام خلف عن "القصيدة وتحولات وسائط النشر والتلقي"، معتبرة أن ذلك يأتي انطلاقاً من إرساء قواعد التأصيل النظري للوقوف على تطورات التحول من الشفاهي إلى الكتابي في القصيدة العربية، وأن هذه المحاولة لكشف أسس الابداع الفني للقصيدة العربية وتحولاتها عبر التطور الزمني والتدوين التاريخي والشكل الكتابي للقصيدة العربية من القديم إلى الحديث.
وأوضحت ان المتأمل لمسار القصيدة العربية -الذي قطعته منذ النشأة الشفاهية، مروراً بالحقبة الورقية، ووصولاً إلى عصرها الرقمي- يجدها مرّت بالكثير من التحولات والتطورات الجوهرية بفعل التحولات التكنولوجية، مما كشف لنا أبعادها المختلفة، والتأثيرات التي طرأت على بنية القصيدة، وأساليب تلقيها، فأدى ذلك إلى أعادة تشكيل علاقتها بجمهورها،فضلاً عن إفساح للتفاعل مع جمهور واسع ذي وعي بالتقنيات الرقمية.ما أسهم في إعادة توزيع الأدوار بين الشاعر والقارئ على حد سواء، بناءً على هذه الرؤية
وقالت :" مرّ الشعر العربي بمراحل تحول جذري، بدءاً من الشعر الشفاهي الذي ارتكز على حاسة السمع، وصولاً إلى الشعر المكتوب الذي أتاح توثيق النصوص وتداولها بشكل موسع، كما منح التدوين الورقي القصيدة العربية بُعداً جديداً يتمثل في الثبات والنقل عبر الأجيال.
واعتبرت ان الانتقال من الكتاب الورقي إلى النشر الرقمي فتح آفاقاً غير مسبوقة في النشر والتلقّي، فلم تعد القصيدة حكراً على القارئ التقليدي، بل باتت تصل إلى جمهور متنوع ومتعدد الثقافات، يتيح له الفضاء الرقمي إمكانية التفاعل والتعليق على النصوص، وأسهمت التحولات الرقمية في إعادة تشكيل علاقة الشاعر بالمتلقي، مما أضفى على التلقي طابعاً تفاعلياً لم يكن متاحاً في السابق.
وتابعت :" أثرت التكنولوجيا الرقمية بشكل عميق على أساليب تلقي القصيدة، فأتاحت للجمهور التفاعل اللحظي مع النصوص من خلال سمة التفاعلية عبر التأويل والإبحار والتشكيل والكتابة،ما غيّر من طبيعة العلاقة بين الشاعر والقارئ، ولم يعد التلقي مجرد عملية سلبية، بل أصبح المتلقّي جزءاً من التجربة الشعرية، وجعل هذا الصدى التكنولوجي القصيدة أكثر تفاعلاً مع المتغيرات، وأضفى عليها طابعاً حيوياً يتماشى مع تقنيات العصر الرقمي".