ثورات الربيع العربي: كيف؟ ولماذا؟
فالح الطويل
11-06-2011 03:04 AM
اتبع تطور ما يسمى بثورات «الربيع العربي،» نظاما خاصا يكاد يرقى إلى مستوى الظاهرة، وهي أنها، جميعا وبغير استثناء، قد بدأت على شكل احتجاجات عادية من قبل أناس متضررين عانوا من صعوبات معيشية، أي أنها كانت، بهذا المعنى، ذات منشأ اقتصادي؛ وأنها، تفاقمت، تدريجيا، بعد اندلاعها واكتسابها الثقة بنفسها، بسبب ما كان معروفا، من قبل، عن وجود فساد إداري ومالي وسلطوي، أكده ما تعرض له المحتجون من قمع وإسالة دماء مما أفقدهم الأمل في إمكان حل المسائل بالطرق الحوارية المعروفة.
لقد فوجئ غالب المراقبين العرب بالظاهرة، وكانوا قد فقدوا الإيمان بإمكان قيام مثلها في عدد من البلدان العربية. لكن هل فوجئ الغرب، وعلماء الاجتماع منهم، بصورة خاصة؟
جاء في كتاب «علم الاجتماع» لأنتوني جيدنز (1978) الذي ترجمه للعربية وحدث استنتاجاته، مشكورا، د. فايز الصايغ، أن عددا من علماء الاجتماع الغربيين أمثال جيدنز نفسه، وتلدا سكوكبول، وتشارلز تيللي، ويورجن هابرماس وآخرون، كانوا قد درسوا الثورات الفرنسية والسوفيتية والصينية، وتوصلوا لنتائج، حول سياقات تطورها، تصدق، في حالة ثورات «ربيعنا العربي،»حرفا بحرف، كما لو كانت قوانين في الفيزياء.
قال هؤلاء، في بعض ما قالوه عن هذه السياقات، أن الأزمات لم تظهر، عادة، بسبب أنشطة مقصودة مبيتة لتحقيق الثورة، سواء من جانب الثوار أنفسهم، أو الأحزاب السياسية المنظمة العاملة في مجال التغيير، بل إنها جاءت مفاجئة لهم جميعا.
فهي تظهر، في الغالب، عندما تفشل الحكومة في التوافق مع المواقف العالمية المتغيرة، كما تؤكد سكوكبول، تاركة، في الوقت نفسه، للانقسامات والصعوبات الداخلية أن تعمل على تأكيد هذا الفشل، تعززها بعض الشروط البنائية المواتية داخل النظام الحكومي، مثل ابتعاد القيادات عن الناس واعتمادهم في تثبيت سلطانهم على القوة المجردة، وحسب، بالإضافة لوجود مسؤولين فيه غير مكترثين سوى بتنمية مصالحهم الشخصية الضيقة، مما يؤدي إلى عجز الدولة عن تنفيذ برامج الإصلاح الداخلي ويؤدي، بالتالي، لنمو وتراكم أسباب التوترات الداخلية، وتفجرها.
تبدأ الأزمات، عادة، كما ذكر أعلاه، على شكل احتجاجات عفوية غير منظمة ذات مطالب بسيطة ما تلبث أن تكتسب دينامياتها الخاصة، فتتحول، تلقائيا، إلى ثورات ذات مطالب جامحة، تنتهزها، وانتهزتها في «الربيع العربي،» وفي نقطة من مراحل تطورها، أحزاب ركبت موجتها وادعت قيادتها، وأخذت تلقط ما يتساقط على الطريق من انتصارات صارت تدعيها لنشاطاتها.
والآن، ما الذي سيحدث، وقد وصلت هذه الثورات في بعض البلدان إلى نقطة اللاعودة، وصارت مسألة اكتمالها، بحكم الأمر الواقع، مسألة وقت، فقط.
أغلب الظن أنها، بسبب عفويتها وافتقارها للتخطيط المسبق، كسابقاتها التاريخية، ستقع في الفوضى، ولوقت يقصر أو يطول.
هذه الأزمات ليست حتمية تاريخية، على أية حال، وكان بالإمكان تجنبها لو كانت قيادات الدول أكثر حكمة وروية، وأكثر وعيا على التاريخ وقواعد تطوره.
(الرأي)