خطوة استراتيجية لتعزيز التماسك المجتمعي واستدامة القيم، لطالما كانت دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجًا رائدًا في إطلاق مبادرات وطنية تعكس قيمًا إنسانية سامية، مثل "عام التسامح" الذي عزّز قيم التعايش والسلام، و"عام الاستدامة" الذي ركّز على حماية البيئة والموارد الطبيعية. ومع بداية عام 2024، يبرز محور الأسرة كموضوع مركزي، يؤكد دورها المحوري في بناء المجتمعات وضمان استدامتها.
خلال القمة العالمية للحكومات الاخيرة، شدد سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان في كلمة رئيسية على أن الأسرة هي اللبنة الأساسية التي تُبنى عليها الحضارات. وأوضح سموه أن نجاح المجتمعات أو انهيارها يعتمد على قوة الأسرة وقيمها، حيث تُنتج الأسرة القوية أجيالًا واعية وقادة يحملون قيمًا راسخة تسهم في استقرار الدول، بينما يؤدي ضعفها إلى تراجع المجتمعات وفقدان تماسكها.
ومع تسارع وتيرة الحياة الحديثة، بما في ذلك التغيرات التكنولوجية والاجتماعية، أصبحت الحاجة ملحة لإعادة النظر في دور الأسرة كمحور أساسي في تنشئة الأجيال. تخصيص عام للأسرة يأتي في هذا السياق، ليعيد التأكيد على مكانتها كحاضنة للقيم الأخلاقية والاجتماعية، والملاذ الآمن الذي يمد أفرادها بالحب والإرشاد.
وفي خطوة استراتيجية جديدة، أعلنت القيادة الإماراتية عن استحداث وزارة الأسرة، تهدف هذه الوزارة إلى إطلاق برامج وطنية شاملة تعزز تكوين الأسر، رفع معدلات الخصوبة، وتمكين الأسر لتحقيق الاستقرار والتماسك المجتمعي.
وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن الأسرة تمثل حجر الزاوية في بناء المجتمع واستقراره. وأشار سموه إلى أن الوزارة الجديدة ستقود هذا الملف الوطني المهم، مع تطوير سياسات وبرامج تدعم الأسرة كركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة.
ويشرف مجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع، برئاسة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان ومريم بنت محمد بن زايد، على وضع التوجهات الاستراتيجية لملفات الأسرة وتمكين المجتمع. ويهدف هذا المجلس إلى ضمان مواءمة هذه الملفات مع خطط التعليم والتنمية البشرية، لتقديم رؤية متكاملة لمسيرة الإنسان في الإمارات، حيث تتكامل جهود الأسرة مع التعليم والتنمية لتعزيز جودة الحياة.
وفي الرابع من يناير، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حملة "شكراً الشيخة هند" تكريمًا لرفيقة دربه، الشيخة هند بنت مكتوم بن جمعة آل مكتوم. وصف سموه الشيخة هند بأنها "عمود بيته وروح دبي"، مشيدًا بدورها المؤثر في تعزيز القيم الأسرية والمجتمعية، ودعمها المستمر لمسيرته.
من بين أبرز مبادراتها يأتي برنامج "أعراس دبي"، الذي يهدف إلى تخفيف الأعباء المالية عن المقبلين على الزواج وتعزيز الاستقرار الأسري. وقد نجح البرنامج في تنظيم مئات الأعراس الجماعية، ودعم الأسر ماليًا ومعنويًا، مما يعكس التزام الشيخة هند بتعزيز الترابط الأسري.
ورغم الفوائد الكبيرة التي حققتها التكنولوجيا، إلا أنها أثرت سلبًا على التواصل العائلي، حيث أصبحت اللقاءات العائلية أقل، والحوارات الصادقة شبه غائبة. كما أن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية زادت من الضغوط على الأسر، مما جعل تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية أكثر صعوبة.
لذا، فإن تخصيص عام للأسرة يمثل فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، وتعزيز الاستقرار الأسري من خلال مبادرات فعّالة تشمل الورش التوعوية، برامج الدعم النفسي والاجتماعي، وحلول للتحديات الاقتصادية.
الاستثمار في الأسرة ليس فقط تعزيزًا للتماسك الاجتماعي، بل هو استثمار في مستقبل المجتمع ككل. الأسر القوية تُنتج أجيالًا تحمل قيم المسؤولية، الاحترام، والتسامح، وهي القيم التي تُعد الأساس لتحقيق التنمية المستدامة. وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "خير الناس خيرهم لأهله" وعام الأسرة سيكون ليس مجرد شعار، بل هو مشروع وطني يعكس التزام القيادة الإماراتية بإعادة إحياء القيم الجوهرية التي تُبنى عليها المجتمعات.
الأسرة القوية هي الركيزة التي يمكن أن تعتمد عليها المجتمعات لمواجهة تحديات الحاضر وبناء مستقبل مستدام. هذه المبادرة تؤكد رؤية الإمارات العميقة نحو تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وضمان استدامة القيم التي تجعل الإمارات نموذجًا عالميًا يُحتذى به في بناء الإنسان وتنمية المجتمع.
* صالح سليم الحموري
خبير التدريب والتطوير
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية