أهمية العلاقات العربية – الروسية
د.حسام العتوم
09-01-2025 11:17 AM
نحن ، العرب الوحيدون في العالم ، التي تطلق روسيا الاتحادية الصديقة علينا و على شرقنا مصطلح " الشرق القريب " ، و تبلغ مساحة روسيا حوالي 18 مليون كلم2 ، و بعدد سكان يقترب من 150 مليون نسمة ، وهنا لا أتحدث عن مساحة إقليم " ألاسكا "التي خرجت في التاريخ القيصري عن السيادة الروسية بيعا ،و لا عن مساحة شرق و جنوب أوكرانيا التي حررتها روسيا مؤخرا وسط ما تسميه عبر تاريخها القديم و المعاصر بروسيا الصغيرة ، أي أوكرانيا . ويحتل الوطن العربي المساحة التالية عالميا بعد روسيا حيث تبلغ مساحته أكثر من 14 مليون كلم2 ،و بعدد سكان يفوق سكان روسيا بأكثر من ثلاثة أضعاف (حوالي 500 مليون نسمة ) . و المصادر الطبيعية الروسية تقارب نظيرتها العربية على مستوى النفط ،و الغاز ، و المعادن ، و الفحم ،و الحديد و الخشب . وثمة كلمات عربية تتكرر في اللغة الروسية مثل ( صندوق ، و استكان ، و الشاي ،و سكر، و مسجد ، و البندورة ، و القط ، و لمبة ، و غيرها ) . و العربية و الروسية عريقتين عالميتين ،ومن أهم لغات الأمم المتحدة و مجلس الأمن . و الأديان السماوية السمحة تتوزع في الوطن العربي و روسيا بين الإسلام ،و المسيحية ، و اليهودية ،و غيرهم ، و يتوزع العالم العربي جغرافيا بين أسيا وأفريقيا ، فيما تنتشر روسيا في أسيا و أوروبا ،ومعا يشكلان جسرا بين هذه القارات و بينهما . و المسافة بالكيلومتر بين العرب و روسيا تقترب من 4 ألاف ،و طائرات المسافرين رابط أساسي ،و الفيزا الألكترونية كذلك .
والتاريخ العميق بيننا عريق ،و تعود جذوره للفتوحات الإسلامية ، للقرون الوسطى ، و إلى الأعوام 18 – 38 هجري مع دخول الإسلام إلى القفقاس ، وعلى المستويين السياسي و الدبلوماسي تجذرت العلاقات العربية مع المكون السوفيتي بداية 1922 / 1989 ،و بعد ذلك مع روسيا الاتحادية المستقلة . و رغم نداء شريف العرب و ملكهم الحسين بن علي طيب الله ثراه بالوحدة العربية ، إلا أن الاستعمار من جهة، و المصالح الاستراجية الخاصة لكل قطر عربي حالت دون تحقيق الوحدة العربية ، بينما ذهب السوفييت لبناء اتحادهم ،و لترسيخ أواصر الوحدة الفدرالية الروسية ،و التعاون من جديد مع المعسكر السوفيتي السابق اقتصاديا و عسكريا ،ومنع حلف " الناتو " الذي رفض التعاون مع روسيا بداية عام 2000 ، ثم تحول إلى معسكر معاد من الأقتراب من الحدود الروسية الواسعة التي تتفوق عالميا في مساحتها و تتبوأ الرقم 1 . و التحالفات الأقتصادية و العسكرية العربية متشعبة ، و موزعة على خارطة العالم ، بينما تركز روسيا اليوم خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي 1989 و بدء العملية الروسية الخاصة الدفاعية التحريرية عام 1922 على بناء توجه تعددية الأقطاب الذي يشمل شرق و جنوب العالم ، ويبقي الباب مواربا تجاه الغرب عندما يصحو الضمير . و مناهضة احادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الهادف دائما للسيطرة على أركان العالم و إثارة الأزمات و الحروب والتخفيض المؤسسي المبرج من عدد سكان العالم وسطها.
يقول لنا التاريخ بأن الانفتاح الروسي على الشرق بدأ بعد إنتهاء الحرب الروسية التركية 1768 -1774 ، وثمة مجموعة من الكتب التي رسمت لنا ملامح العلاقات العربية – الروسية بوضوح ، ومن بينها ، كتاب ( صناعة القرارفي روسيا و العلاقات العربية – الروسية لنورهان الشيخ 1998 المشير للدور الفاعل لروسيا في النظام الدولي الراهن ذات المقعد الدائم في مجلس الأمن ، و كتاب ( العلاقات الروسية - العربية في القرن العشرين و افاقها 2001 لجورج شكري كتن الموضح للدور المهم لروسيا في تطوير منطقتنا العربية ،وكتاب ( الثقافات العربية و الروسية اليوم – أقلام روسية 2006 ) الذي يوضح خصوصيتها منذ عهد بطرس الأكبر ،وكتاب ( مدخل إلى تاريخ الدراسات العربية و الإسلامية في روسيا لمؤلفه إلياس بلكا 2016 ، وكتاب ( من لينين إلى بوتين ) لكاتبه أليكسي فاسيليف ، يرصد فيه كيف تحولت السياسية الخارجية الروسية لمحط أنظار العالم ،و غيرها كثير . و يعتبر العرب الروس و السوفييت الأقرب إليهم و كذلك الروس في تعاملهم مع العرب ، و انفتاح عربي على العالم يماثل انفتاح روسيا بنفس الاتجاه أيضا .
روسيا الاتحادية ميزان دولي إستراتيجي هام الان يصعب إغفاله ،و يصعب تصور العالم من دون روسيا تما كما صرح بذلك سابقا الرئيس فلاديمير بوتين نفسه ، وهي قطب دولي عملاق في الاقتصاد و السياسة و العسكرة ،فهي الأولى على مستوى اقتصاد أسيا ،و تمتلك مصادر طبيعية غنية ، و الأولى في العسكرة النووية ،و متميزة في السلاحين التقليدي و الفضائي ، و هي منفتحة غير معزولة ،و علاقاتها الدولية واسعة ،و عضويتها و رئاستها لتجمع " البريكس " ، و عضويتها في تجمع " شنغاهاي " ، وقيادتها لصندوق – مؤسسة ( روسكي - مير ) الهادف لنشر اللغة الروسية في العالم ، وقيادة الرئيس بوتين لروسيا بحكمة و فولاذية منذعام 2000 ، ووجود سيرجي لافروف و بقوة و حنكة ملاحظة على رأس الدبلوماسية الروسية ،و التوجه الروسي صوب قيادة عالم متعدد الأقطاب ، كلها مؤشرات على قوة الدور الروسي وسط خارطة العالم .و يقابل هذه المعادلة قطب عربي عملاق و ثري على مستوى الاقتصاد ، و يجتمع تحت مظلة الجامعة العربية في القاهرة ، وهي المحتاجة لتفعيل دورها لتحقيق حلم العرب في الوحدة الحقيقية و القوة غير التقليدية أسوة بكبريات أقطاب العالم مثل روسيا ، و أمريكا ، و الصين ، و أوروبا .ولم يعد الرهاب الروسي و رغم أنه غير مبرر أن يشكل حاجزا بين العرب و روسيا و بالعكس ،فنهوض روسيا المستمر فيه نهوض للعرب ، و في نهوض العرب نهوض لروسيا ،و مثل هكذا توجه لا يمنع التعاون مع دول العالم كافة .
لا يوجد في السياسة ثبات ، و تعودنا نحن العرب على رسم بياني و خارطة رملية متغيرة بين الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة الأمريكية و بالعكس ، و زيارات رئاسية متبادلة ، و استقرار سياسي روسي – أمريكي بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي ،ثم انحدار سريع سببه تحريك شعلة الحرب الأوكرانية من قبل بريطانيا – باريس جونسون ، و أمريكا – جو بايدن من وسط انقلاب " كييف " الدموي " عام 2014في محاولة لجر الغرب كله إلى حالة صراع مع روسيا الاتحادية ،ومع دول العالم ، ومنها الدول العربية ، لكن العرب و عبر جامعتهم العربية و فرادا اختاروا الحياد ، و الحوار بين روسيا العظمى و بين دولة " كييف " التي أصبحت بعد تحرير روسيا لمجموعة أقاليم أوكرانية سابقة مثل " القرم ، و لوغانسك و دونيتسك " الدونباس " ، و زاباروجا و خيرسون ،و المضي عسكريا قدما إلى الأمام للوصول إلى نهر الدنيبرلحماية الدونباس و تحصينه ،و بعد ظهور نتيجة صناديق إقتراع القرم و شرق أوكرنيا لصالح الأنضمام لروسيا ، تمثل غرب أوكرانيا فقط .
لقد حاولت أمريكا حديثا وعبر العاصمة " كييف " ووزير خارجيتها أندري سيبيغا دق إسفين بين سوريا الحديثة بعد سقوط نظام بشار الأسد بتاريخ 8 ديسمبر 2024 وبين روسيا الاتحادية ،و محاولة اقناع دمشق للتخلص من الحضور الروسي و قواعده العسكرية على غرار ما فعلته تماما عام 2014 عندما دفعت أمريكا بإتجاه التخلص من أخر نظام أوكراني موالي لروسيا بقيادة فيكتور يونوكوفيج ،و من الحضور الروسي هناك ، لكن المشاريع الأمريكية انكشفت لوجستيا و مبكرا ،وواصلت القيادة الروسية عبركبير مستشاري قصر " الكرملين " يوري أوشاكوف بفتح قنوات إتصال مع قيادة دمشق الجديدة لتسوية ملف العلاقات الروسية – السورية ، وهو الذي أكده سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا . و أمثلة النخر الأمريكي في العلاقات العربية – الروسية عديدة و يصعب حصرها في مقالة ، و للحديث بقية .