ألمانيا تودع الطاقة النووية
د. رحيّل غرايبة
10-06-2011 04:32 AM
أقدمت ألمانيا مؤخراً على اتخاذ قرار تاريخي حضاري متميز، بعد الإطّلاع الحقيقي على نتائج دراسات عديدة وأبحاث متخصصة، تتعلق بالآثار الناجمة والمتوقعة من استعمال الطاقة النووية.
وأخيراً عزمت ألمانيا على اتخاذ قرارها الحازم، وأصبحت الدولة الأولى في السجل العالمي، التي تريد التخلص النهائي من كل ما يتعلق بمصادر الطاقة من مفاعلات ومعامل وأدوات ووسائل، والإتجاه بشكل كامل نحو مصادر الطاقة المتجددة، الصديقة للبيئة، ولا تلحق الضرر بالإنسان والحياة كلها بوجهٍ عام، مثل طاقة الرياح والشمس والمياه، وباطن الأرض، وإعادة تدوير النفايات، ومخلفات الحيوانات والنباتات وكل ما توفره الطبيعة وتجود به.
لقد أدركت القيادة الألمانية والشعب الألماني مقدار الضرر الفادح الذي تلحقه الطاقة النووية في الحياة وعناصر الكون والبيئة المحيطة، ومقدار الضرر الذي لحق بالإنسانية، وسيلحق بالأجيال ومستقبل البشرية، فعمدت إلى التوجه الحاسم نحو البدائل الكثيرة، ومن هنا اتخذت الحكومة الألمانية في 31/5/2011 قرارها بإزالة كل محطات الطاقة النووية في البلاد تدريجياً، للتخلص النهائي منها بحلول عام 2022م، وكانت الكارثة النووية اليابانية العامل الحاسم في سرعة اتخاذ هذا القرار التاريخي، مع العلم أنّ ألمانيا تعتمد على الطاقة النووية بتوفير 23% من احتياجاتها من الطاقة، وسوف تكون ألمانيا الدولة الصناعية الأولى في العالم التي تتجه نحو الاستبدال الكامل لمصادر الطاقة لتعتمد 100% على مصادر الطاقة المتجددة.
هذا القرار التاريخي للأمّة الألمانية، ينبغي أن يحظى بتأييد شعوب العالم كلها، وخاصة الشعوب العربية والإسلامية، التي تسودها ثقافة الصداقة مع الكون والحفاظ على البيئة والتوازن الطبيعي الفطري الذي أوجده الخالق للكون، وأنّ موقع الإنسان النابع من مفهوم الخلافة في الأرض يحتّم عليه أن يبذل كل ما لديه من جهدٍ وقدرة وتفكير في كيفية الحفاظ على الكون والحياة الطبيعية، بطريقة ذكية فاعلة، تصلح ولا تفسد، ومن هنا يجب إدراك قول الله عز وجل في القرآن الكريم:{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}. فالإنسان أكبر مدمّر للبيئة، وأكبر مخرب للكون، وأكبر مفسد للحياة الطبيعية، وأقوى عامل من عوامل الإخلال بالتوازن البيئي الذي قامت عليه السموات والأرض.
لقد أصبحت الحياة الإنسانية مهددة، وحياة الأجيال القادمة في خطر نتيجة التغيرات الحاسمة في المناخ والبيئة التي تعمل على إذابة قمم الجليد في أعالي الأرض وأقطابها، وتؤدي إلى جفاف الأنهار الجليدية، وارتفاع درجة الحرارة، ويهدد بانقراض 1/4 الثدييات، و1/8 الطيور، و1/3 الغطاء النباتي بحلول عام 2035م.
ومن هنا فإنّ شعوب العالم كلها معنية بالضغط على الدول الصناعية وفي مقدمتها أمريكا والصين والدول الغربية من أجل التوجه نحو اتخاذ قرارات حاسمة تعيد توجيه العقل البشري باتجاه حفظ الكون والحياة ومستقبل الإنسان، من خلال إجراءات عملية تقوم بها الدول الكبرى والدول الصناعية بشكل جماعي حاسم، نحو إعادة التوازن البيئي، لموجودات الكون.
وفي المناسبة هنا في الأردن الدعوة موجهة نحو ايجاد هيئة جادة لتوجيه العقل والجهد في الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، ودعم الأبحاث التي توفر الطاقة من الشمس والرياح والمياه، والمصادر الصديقة للبيئة والإنسان، ووقف الإنفاق على مصادر الطاقة النووية، التي يستعد العالم المتقدم للاستغناء عنها، فنكون نحن كمن (يلحق الشتوة بفروة)، ونبقى نحبو خلف القوافل الزاحفة نحو المستقبل بطريقة عاجزة لا تتناسب مع قدراتنا ولا بيئتنا، بالإضافة الى أنّها سوف تكون عبئاً علينا وعلى أموالنا واقتصادنا ومستقبلنا وأجيالنا.
ROHILEGHRB@YAHOO.COM
(الرأي)