بوسع أي متطفل الدخول إليك، بمجرد “كليك” صغير، فيصبح في غرفة نومك، أو خلوتك، حيثما كنت، وسيكون بوسعه بالطبع أن يجلس قبالتك ولو افتراضيا، ثم يبدأ بالسؤال عنك، وعن أحوالك، وآخر أخبارك، وكم ولدا عندك، وأين تقضي وقت فراغك، وهواياتك، وربما ماذا أكلت ذلك اليوم، طبعا غير هذا “المقلب” المتكرر كلما دخلت إلى الفيس بوك، أو حتى مررت سريعا من غرف دردشته!
الأخ من أين؟ تسأل، فيقول لك، أو تقول لك، من أستراليا، أو النرويج، أو جزر البهاما، علما بأنه قد يكون يسكن في عمارة ملاصقة لعمارتك، في طبربور أو بلعما، أو خلدا، وما عليك إلا أن تسلم بالمعلومة، و”تغرش” على غش انتظارا لاصطياد الكذبة، وكما يمكنه، أو يمكنها، تزويدك بمعلومات خاطئة عن مكان السكن، أو “البلد الأصلي!” يمكن أن تفيض عليك جداول وأنهار من المعلومات الخاطئة، فالكلام سلس، والظروف مواتية للاختباء وراء الجدران الرقمية والأسوار الإلكترونية، أحد الأصدقاء قال لي أنه بقي على اتصال بصديقة من بلد عربي، ليكتشف ان هذه الصديقة لم تكن إلا “عجرود عتل”، بالغ القبح والطول أيضا، من بلد أفريقي، ومنذ ذلك اليوم شطب صفحته على الفيس بوك، وهجر التكنولوجيا الرقمية، وآثر الخلود إلى العالم الواقعي لا التخيلي، صديقي هذا صمد في وجه مقاومة حمى الفيس بوك، ولكن كثيرين، وأنا منهم، لا يستطيعون أن يضعوا هذا العالم وراء ظهورهم، خاصة إذا أصبح جزءا من عملهم اليومي، فهو ليس أسلوبا للتواصل “الاجتماعي” كما يقال، بل أحد روافع العمل الإعلامي الأساسية، ولعل التوظيف الجديد لهذا الموقع، عبر رفعه للبث الفضائي، سيشكل نقلة نوعية في الإعلام الجديد، وربما سيغير مفهوم البث الفضائي برمته!
خاصية التطفل الذميمة، لها جانب آخر محمود، لأنها أتاحت لكل صاحب شهوة في التطفل، سلبا أو إيجابا، نقل ما يريده، مما يراه أو يسمع عنه، إلى ملايين البشر، عبر تقنية بسيطة، أحرجت القنوات الإخبارية التقليدية، التي تعيد الخبر أو التقرير مرات ومرات في نشراتها المتكررة، فيما يكون المتطفل إياه، أو المواطن الصحفي، بث عشرات التفاصيل عن الحدث، عبر تويتر ويوتيوب والفيس بوك، فلا يستطيع أي مراسل صحفي محترف، مهما أوتي من قوة، أن يلاحق الحدث حيث يقع من هذا الكون، كما يفعل المتطفلون وشهود العيان، إن قناة إخبارية واحدة، تعتمد روايات شهود العيان صوتا وصورة ونصا، وهم بالملايين، بوسعها أن تغير مفهوم العمل الإعلامي الموروث، وتقلب الطاولة على رؤوس الإعلاميين التقليديين، وكل القصة تبدأ من ذلك المشهد أعلاه: الأخ من أين؟؟
ما نقوله اليوم، سيتذكره الكثيرون، حينما نرى تطبيقا عمليا لهذه الرؤية، التي تبدو غاية في البساطة، ولكنها في بساطة وتعقيد ذلك الذي يقتحم عليك خصوصيتك، ويفرض نفسه عليك، فقط لمجرد أنك “غلطت” وأضفته كصديق لك على الفيس بوك، إن هذا الشخص، وآلافا غيره، بوسعهم أن يكونوا شهود عيان، كمراسلين صحفيين متطوعين، لكشف كل شيء، وبثه مباشرة إليك، حيثما كنت!
hilmias@gmail.com
(الدستور)