شهد الذكاء الاصطناعي تطورًا هائلًا منذ بداياته النظرية، من شبكات البيرسيبترون القادرة على التعرف على الأنماط البسيطة، إلى النماذج اللغوية الكبيرة التي تُحاكي اللغة البشرية . وفي الوقت الحالي، يحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا جوهريًا مع اقتراب التكامل مع الحوسبة الكمية ، حيث أنه يَعِد بتطبيقات عملية تتجاوز حدود إمكانياتنا الحالية في معالجة المعلومات وحل المسائل المعقدة بأسرع مما اعتدنا عليه.

الذكاء الاصطناعي الكمي في الرعاية الصحية والاكتشافات العلمية

يمكن للذكاء الاصطناعي الكمي إحداث نقلة نوعية في الرعاية الصحية من خلال تسريع اكتشاف الأدوية عبر تحليل التفاعلات الجزيئية بدقة عالية لتحديد أفضل التركيبات العلاجية، مما يقلل الزمن والتكلفة.كما يتيح تطبيق الطب الشخصي من خلال معالجة البيانات الجينية لتوفيرعلاجات مخصصة لكل مريض. فعلى سبيل المثال، عند استخدام المحاكاة الكمية يمكن تحليل الملايين من التفاعلات الجزيئية بسرعة، مما يُسهم في تصميم علاجات مخصصة لأمراض متعددة، مثل مرضى السرطان، حيث انه يعمل بناءً على دراسة العوامل الجينية لكل فرد. كما يساهم أيضاً في التعامل مع الأوبئة الجديدة عبر دراسة التركيبة الجينية للفيروسات واقتراح حلول وعلاجات فعالة و أكثر دقة في وقت قصير .ويتعدى أثره ليشمل مجالات علمية أخرى غير الصحة، إذ يمكنه تحسين علوم المواد والطاقة المتجددة من خلال تطوير مواد ذات كفاءة أعلى، مثل تصميم ألواح شمسية قادرة على امتصاص الطاقة بكفاءة أكبر. علاوةً على ذلك يساعد في وضع نماذج مناخية متقدمة تقدِّم رؤى دقيقة حول التأثيرات البيئية المحتملة، وهو ما يمكّن الحكومات من صياغة سياسات أكثر فعالية لمواجهة التغير المناخي .

نحو الذكاء الاصطناعي العام وأخلاقياته

يعتبر الذكاء الاصطناعي الكمي جيداً في تحسين الأنظمة المعقدة التي تتطلب معالجة عدد كبير من الحلول الممكنة فعلى سبيل المثال، في قطاع النقل واللوجستيات، يمكنه تحديد أفضل مسارات الشحن في الوقت الفعلي بناءً على الظروف الجوية وتكاليف الوقود، مما يقلل من التأخير والانبعاثات الكربونية. وفي القطاع المالي يمكنه من تحليل الأسواق وإدارة المحافظ الاستثمارية على نحو أكثر توازنًا بين المخاطر والعوائد.كما تمثل الحوسبة الكمية أيضاً ثورة في تدريب النماذج الذكية، حيث تُقلل وقت التدريب من أسابيع إلى ساعات. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تدعم تطوير نماذج متعددة الوسائط التي تدمج بين النصوص، والصور، والفيديو، فعلى سبيل المثال، يمكن لنموذج مدعوم بالحوسبة الكمية ترجمة الكلام في الوقت الفعلي بين مئات اللغات ، حيثيشير العديد من العلماء إلى أن الذكاء الاصطناعي الكمي قد يفتح الباب للوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام القادر على التفكير وحل المشكلات . وبالإضافة إلى ذلك، ومع تزايد قوة الذكاء الاصطناعي الكمي، يصبح من الضروري وضع إطار أخلاقي شامل ومتوازن يعالج القضايا المتعلقة بالتحيز والخصوصية، لا سيما في التطبيقات الحساسة كالمجال الطبي، فعلى سبيل المثال، يمكن لأنظمة التشخيص الطبي المعتمدة عليه، تقديم تقارير شفافة و مفسرة توضح آليات اتخاذ القرارات التشخيصية، حيث أن هذا النهج لا يعزز فقط الثقة بين المرضى والأطباء، بل يسهم أيضاً في تعزيز حماية البيانات الشخصية وضمان استخدامها بشكل أخلاقي و عادل.

وفي الختام، يمكن القول إن دمج الذكاء الاصطناعي مع الحوسبة الكمية يمثل تحولًا نوعيًا يعيد صياغة معالم التكنولوجيا الحديثة، ويفتح آفاقًا واسعة لحل أكثر التحديات تعقيدًا في مختلف المجالات. ومع ذلك، فإن نجاح هذا التطور يتطلب تبني نهج تطوير مسؤول يقوم على تعزيز الشفافية، وضمان تكامل الأدوار بين البشر والآلات.

* أستاذ مشارك في الذكاء الاصطناعي/ الجامعة الاردنية