النمري يكتب: فورة اقتصادية تنتظر الأردن ؟!
جميل النمري
08-01-2025 12:12 PM
لو تخلينا برهة عن السودواوية المعهودة فإن نظرة مدققة للمشهد الاقتصادي المقبل قد تكشف عن احتمالات واعدة. بل اكثر من ذلك فإن احتمالات "بووم" اقتصادي قد تكون في الطريق الينا.
نقاشات الموازنة هذين اليومين في مجلس النواب لا تقول ذلك، وهذا مفهوم فالموازنة نفسها لا تعكس شيئا عن التطورات المحتملة.
والنواب يناقشون مطالب مناطقهم التي لا تقدر عليها النفقات المقررة ويصفون ارقام الموازنة بأنها تقليدية على نهج الموازنات السابقة تأكل معظمها النفقات الجارية الموروثة وخدمة الدين العام التي تزيد عن ملياري دينار ويبقى القليل للنفقات الرأسمالية وهي في الغالب استهلاكية للطرق والمرافق والابنية الخ.
لا يظهر في الموازنة مثلا مشروع بقيمة 800 مليون دولار تم التوقيع عليه بحضور رئيس الوزراء أول أمس بين شركتي البوتاس والبرومين والشركاء الأمريكيين لتوسعة وتضخيم نشاط الشركة بما يجعل الاردن اكبر منتج لهذه المادة.
الانفاق الضخم على الاستثمار لا يأتي من الموازنة حتى بوجود شراكة مع القطاع العام بل من مصادر التمويل الخاصة. وحين تتبنى الدولة مشاريع كبرى مثل الناقل الوطني ومشاريع اخرى كما نأمل مثل سكك الحديد وانابيب النفط وغيرها فعوائد الاستثمار هي التي تسدد على مدار عقود نفقات التمويل. المهم ان يكون السوق واعدا يستوعب ويتطلب البنى التحتية الضخمة، والآن فالفرص عظيمة للتقدم بهذه المشاريع بزوال معيقات رئيسية مع التطورات الأقليمية الجارية.
كان قد جرى انشاء المنطقة الحرة الاردنية السورية على الحدود بأمل ان نهاية الحرب في سوريا ستنشط العلاقات الاقتصادية لكن نظام الاسد لم يتقدم خطوة واحدة وبدلا من ذلك اغرقونا وانهكونا بتهريب الكبتاغون. والآن سيتغير الوضع راسا على عقب. وفي العراق ايضا فالمتوقع انحسار الهيمنة الايرانية وعلى الأقل اعتدالها فلا تعطل العلاقات مع الاردن ولا المشاريع التي طالما تم التوافق عليها مع العراق الشقيق.
كما ان التغيرات الأقليمية الهائلة سوف تبث الدفىء والتناغم على نفس الموجة والتوجه بين الاردن والسعودية والخليج والاردن سيكون الممر والشريك في الطريق الى سوريا وايضا لبنان الذي يتجه للاستقرار وتفعيل مؤسسات الدولة واعادة البناء. وتبقى الحرب في غزة التي كان لها الأثر السلبي الأكبرعلى الأقتصاد الاردني وخصوصا قطاع السياحة الذي كان قد اخذ بالتعافي بعد ازمة كورونا وشهد نموا عظيما وأدته الحرب الاجرامية على غزة. ومهما ناور مجرم الحرب نتنياهو فوقف اطلاق النار بات متطلبا لا يمكن التحايل عليه أكثر.
هناك وجهة نظر ترى ان استقرار الأوضاع في دول الجوار وتحولها الى ورشات بناء كبرى بما في ذلك الانفاق على اعادة البناء في غزة لن يفيد الاردن بل العكس فالاهتمام والمساعدات والاستثمار سيذهب الى هناك بعيدا عنا. والأردن وفق النظرية التقليدية وكما شهدنا من تجارب سابقة كان يستفيد من كل انهيار في احد دول الجوار كمكان امن ومستقر يستقبل رؤوس الأموال المالية والبشرية الهاربة.
والحقيقة ان ذاك النوع من الفرص صنع فقاعات اقتصادية اكثر مما صنع تنمية مستدامة وترافق مع تضخم مالي طالما اعقبه انكماش وركود
المقاربة هذه المرّة مختلفة اذا نظرنا الى الاقليم بصورة اكثر شمولية كمنطقة اقتصادية متصلة وليس كوحدات منعزلة. الاردن سيكون في قلب النمو الضخم المتوقع. وسيكون في قلب حركة النقل والاستيراد والتصدير، ويمكن اخيرا مباشرة العديد من المشاريع الكبرى.
والاردن لديه المقومات الجاهزة والريادية في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي. وقد بدأ البحث بالفعل مع الاشقاء السوريين في بعض القطاعات مثل انبوب الغاز والنقل الكهربائي. ولا يحتاج القطاع الخاص الى تحفيز وتوجيه مع سوريا فهو متحفز وسوف يباشر بحث الفرص والاحتياجات وقد رصفت له الطريق بالتقارب والتعاون المرغوب رسميا وبقوة من الطرفين.