محور أردني تركي سعودي .. وميزان القوى الإقليمي
د. محمد أبو رمان
07-01-2025 11:50 PM
يقع النشاط الديبلوماسي والأمني الأردني خلال اليومين الماضيين على درجة عالية من الأهمية في الحراك والتطورات الإقليمية الراهنة، سواء زيارة وزير الخارجية السوري إلى الأردن أسعد الشيباني مع وفد رفيع المستوى، أو الاجتماعات التي أجراها وفد أردني رفيع المستوى ضم وزير الخارجية ورئيس هيئة الأركان ومدير المخابرات مع نظرائهم الأتراك في اسطنبول، وتوّجت الاجتماعات بلقاء الوفد الأردني بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ولسنا بحاجة إلى التخمين أنّ الموضوع هو التطورات في سورية والمرحلة القادمة.
بالرغم من الاختلافات والخلافات في رؤية كل من الأردن وتركيا لملفات إقليمية متعددة، إلاّ أنّه منذ خمسة أعوام بدأنا نلاحظ تقارباً بين الدولتين وتجسيراً للرؤى في العديد من القضايا الإشكالية، بل أكثر من ذلك تمتاز السياسة الخارجية لكليهما بالواقعية والبراغماتية من جهة، وبالمصالح الاستراتيجية والاقتصادية المشتركة في الملفات الإقليمية البارزة وهي أكبر بكثير من مساحة الاختلاف والتباين.
على الجهة الأخرى فإنّ التقارب الأردني- السعودي- التركي في رؤية الملفات الإقليمية، يمكن أن يتكور خلال الأيام القادمة إلى محور استراتيجي حقيقي، بالإضافة بالطبع إلى الشركاء الرئيسيين؛ الإمارات ومصر وقطر في الملفات الإقليمية الأخرى. فعلى صعيد الجوار الجغرافي والاستراتيجي هنالك أهمية كبيرة لتركيا ودورها في رعاية وتأهيل ومساعدة هيئة تحرير الشام للتعامل مع استحقاقات المرحلة المقبلة في هندسة النظام السياسي الجديد في سورية، والأردن وهو الأقرب جغرافيا وثقافيا واجتماعياً للعاصمة دمشق، فضلاً عن العلاقات التاريخية والسياسية بينه وبين الجنوب السوري، منذ بدايات الثورة السورية 2011 حتى اليوم، أمّا السعودية فبوصفها الدولة العربية القيادية خلال الفترة الأخيرة، التي تتصدر لملء الفراغ الاستراتيجي، الذي أخذ يتسع ويتمدد منذ احتلال العراق 2003 وحتى اليوم، من هنا فإنّ السيناريو الأكثر تفاؤلاً فيما يخص الوضع في سورية والنظام الجديد يكمن بتعاون استراتيجي وتنسيق مكثف بين الدول الثلاث مع القيادات السورية الجديدة.
ما هي القواسم المشتركة بين الأطراف الثلاثة (الأردن وتركيا والسعودية) ومعهم الشركاء العرب الآخرون؟ في سوريا هنالك مصالح استراتيجية وحيوية متمثلة بوحدة الأراضي السورية وبوجود نظام مدني، تعددي، وإزالة العقوبات الدولية والأميركية والبدء بعملية إعادة الإعمار وبناء مؤسسات وقدرات الدولة السورية الجديدة، وعدم الانجراف نحو سيناريوهات التقسيم والحرب الداخلية، ما يدفع نحو وجود أجندة توافقية وتنسيق إقليمي على درجة عالية.
وعلى صعيد القضية الفلسطينية هنالك تقارب شديد في المواقف لإيجاد سند ودعم إقليمي للفلسطينيين في مواجهة الاختلال الفادح في موازين القوى لصالح إسرائيل، مع وجود اختلاف في الرؤى بين الأطراف الثلاثة حول الموقف من السلطة وحماس، لكن يمكن ردمه بدرجة أكبر من الحوار الاستراتيجي.
وفيما يتعلّق بالعراق فهنالك مصلحة مشتركة لدعم اندماج العراق، وبناء قواعد من التفاهم والحوار بين بغداد ودمشق، ومساعدة رئيس الوزراء العراقي، شيّاع السوداني، على تجنب مواجهات خارجية على أرضه، سواء تعلّق الأمر بالنزاع الأميركي- الإيراني- الإسرائيلي أو التوترات مع الحكم الجديد في دمشق المتلبّس بخطابات طائفية بين أطراف داخلية هنا وهناك.
في المحصلة هنالك تطورات إقليمية وتحولات سياسية واستراتيجية في مواقف القوى الإقليمية، والأردن الذي احتضن اجتماع العقبة وسعى إلى بناء أجندة إقليمية- دولية إيجابية تجاه الوضع السوري، بإمكانه نسج خيوط هذا المحور الإقليمي الاستراتيجي بخاصة للتعامل مع استحقاقات المرحلة القادمة على صعيد عودة ترامب أو أجندة اليمين الإسرائيلي المنفلتة من أي عقل، بخاصة مع الانتكاسة الاستراتيجية لما يسمى محور الممانعة والشعور بفائض القوى لدى اليمين الإسرائيلي، ما يستدعي العمل على إعادة بناء قدر من توازن القوى في المنطقة.
كان المفكر والسياسي الأردني العريق، عدنان أبو عوده يردد دوماً بأنّ الجغرافيا السياسية الأردنية نعمة ونقمة في آنٍ معاً، وقدر الجيوبوليتيك هو الذي يجعل الأردن في قلب هذه الملفات الملتهبة، وبوجود نموذج متميز سياسياً يقوم على الاعتدال والانفتاح والواقعية فإنّ موقع الأردن في أيّ نظام إقليمي هو بالضرورة في المركز وليس الهامش أو الأطراف.
الدستور