بين الضريبة والذكاء الاصطناعي
أكرم الزعبي
07-01-2025 05:31 PM
بعد لقاءٍ جمعني بمدير دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، الدكتور حسام أبو علي، في نقابة الأطباء الأردنية، دفعني الفضولُ للبحث عن سيرته الذاتية، فوجدتها سيرةً غنيّة، مليئةً بالانجازاتِ، لرجلٍ مبدعٍ في تخصصه، ولديه الكاريزما اللازمة لإقناعك بوجوب دفع الضريبة، وعنده الإمكانات التشريعية لإلزام المكلّفين بالدفع، وهو رجلٌ ديناميكيٌ عمليٌ، لا مشكلة لديه في الوصول إلى أيّ مؤسسةٍ، والإجابة بنفسه عن أية أسئلة واستفسارات.
ضريبة الدخل بنصّ القانون تبلغ خمسة بالمائة، وتقوم دائرة ضريبة الدخل والمبيعات بتحصيلها من المكلّفين، وبعيدًا عن مسألة الرديّات لمن لا تنطبق عليهم الشروط الخاصة بالاقتطاع، فإنّ الأمر لا يتوقّف عند الخمسة بالمائة من ضريبة الدخل، إذ يضافُ إليها ضريبةُ المبيعات التي تبلغ ستة عشر بالمائة، والتي كان الترويجُ لها - عند فرضها - أن تكون على التاجر، لكنّ التاجر أنزلها في فاتورتهِ على المواطن، مما يعني أنّ الضريبة قد أصبحت (واحد وعشرون بالمائة) من الدخل، بعد جمع الضريبتين (الدخل والمبيعات) وهذا يعني خُمسَ دخل المواطن.
الأمرُ لا يتوقّفُ عند هذا الحد، فهنالك على سبيل المثال لا الحصر: الضريبة الخاصة بالسجائر، ضريبة المسقفات، المعارف، الجمارك، الضريبة الخاصة على فواتير الكهرباء، ضريبة الضريبة، ضرائب الجامعات، الاتصالات، السيارات، التلفزيون، الكحول، ومشتقات البترول (بنزين، سولار، كاز، غاز)، ولو افترضنا تقريبيًا أنّ مجموع هذه الضرائب شهريًا يصل إلى ثلاثين بالمائة من دخل المواطن، فإنّ مجموع الضرائب سيتجاوز نصف الدخل بالمجمل على أقل تقدير.
الأصلُ أنّ أثر الضريبةِ التي تحصّلها الدولة، يجب أن ينعكس على الخدمات العامّة من صحةٍ وتعليمٍ وطرق، لكنّ المنظومة الصحية ما زالت تعاني من نقصٍ في الخدمات، سواءٌ في المستشفيات الحكومية أو المراكز الصحية، وما يزال التأمين الصحيُّ قاصر عن تلبية حاجات المواطن الصحية، أمّا التعليم فقصّة أخرى يطول شرحها.
أمّا الطرق، فإنّ طرقنا ما زالت تعاني من آثار التدمير الذي تمارسه الشركات التي تحفر الطرق لمدِّ مواسير المياه والاتصالات والكهرباء، وما زالت طرقنا تعاني المطبات العشوائية غير المنتظمة، وغير المنضبطة بأي كود مواصفات عالمي أو حتى محلي، فبين كلّ مطبٍ ومطب هنالك مطب لتحذيرك من المطب الذي بعد المطب، وقبل كل دوّار وبعد كلّ دوّارٍ يوجد مطب، هذا عدا عن الحفر التي تمتلئ بالمياه شتاءً، فتصيب الكثير من السيارات بأعطابٍ مكلفةٍ ماليًا ونفسيًا.
الشاهد في الأمر، أنني جرّبتُ استخدام الذكاء الاصطناعي بسؤالٍ بريء : لماذا تزداد مديونية الأردن؟ فأجابني لعدة أسباب : اقتصادية مثل الإنفاق الحكومي والديون الخارجية والركود الاقتصادي، وسياسية مثل التأثيرات الإقليمية والضغط الديموغرافي والسياسات الاقتصادية، ومالية مثل الرواتب والمنافع والاستثمارات غير الفعالة.
كل هذه الأسباب كانت شبه معقولةٍ ومقبولة، لكن ما لفت نظري وأصابني بالدهشة (التي فقدتها منذ زمن)، أنّ السبب الأول من الأسباب المالية كان : (الضرائب المنخفضة)، لكنّ العجب زال عندما زوّدني الذكاء الاصطناعي بالمصادر التي استند إليها لتقرير أسباب المديونية، وأدركتُ لحظتها أنّنا لا نرواغ الذكاء الاصطناعي، ولا المنظمات الدولية قدر ما نرواغ أنفسنا وذواتنا.
أعودُ إلى حديثي الأولّ عن الدكتور حسام أبو علي، الرجل الوطني، الذي يملأ مكانه بالفعل، ويواصلُ الليل بالنهار لتحصيل ضريبة الدخل والمبيعات، باعتبارها واجبًا وطنيًا، لأقول له بوركت جهودك المخلصة، لكنني أرجو، والحكومةُ تسير في منظومة التحديث الاقتصادي برؤى جلالة الملك، أن تأخذَ بعين الاعتبار حجم الضرائب الكثيرة المفروضة على المواطن الأردنيِّ بالتخفيف منها، وأن يلمسَ المواطنُ أثرَ بعض هذه الضرائب على الحياة اليومية والقطاع الخدماتي (الصحي والتعليمي) والأشغال العامّة.
* رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين الساب