العمل المجاني في الأردن: ظاهرة تستغل الخريجين الجدد
لانا ارناؤوط
07-01-2025 04:13 PM
شهدت السنوات الأخيرة في الأردن ظاهرة متنامية وهي انتشار العمل المجاني أو ما يُعرف بفترات التدريب غير المدفوعة التي تستهدف بشكل رئيسي الخريجين الجدد هذه الظاهرة أصبحت واقعًا مزعجًا للكثير من الشباب الذين يحلمون بمستقبل مهني يوفر لهم حياة كريمة بعد سنوات من الجهد والدراسة ومع تزايد أعداد الخريجين وقلة فرص العمل المتاحة، بات العديد من أصحاب العمل يستغلون هذا الوضع لصالحهم تحت ذريعة توفير الخبرة للخريجين.
الخريجون الجدد هم الفئة الأكثر تضررًا من هذه الظاهرة فبعد تخرجهم من الجامعات والكليات، يجدون أنفسهم في سوق عمل مليء بالتحديات، حيث يواجهون نقصًا حادًا في الشواغر الوظيفية وفي ظل هذا الواقع، يلجأ الكثير من الشباب إلى قبول العمل المجاني على أمل اكتساب الخبرة التي قد تؤهلهم لاحقًا للحصول على وظيفة براتب مناسب لكن، للأسف، يستغل العديد من أصحاب الشركات هذا الوضع لجعل العمل المجاني وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية.
لا تقتصر معاناة الخريجين على عدم تقاضي رواتب، بل تمتد لتشمل التكاليف اليومية التي يتحملونها، مثل تكاليف المواصلات والاتصالات وبسبب غياب التعويض المالي، يضطر بعض الخريجين إلى الاستدانة من أهلهم لتغطية هذه المصاريف، مما يزيد من الأعباء المالية على العائلات التي كانت تأمل أن يبدأ أبناؤها في المساهمة في تحسين الوضع الاقتصادي للأسرة بعد التخرج.
باتت بعض الشركات ترى في العمل المجاني وسيلة مربحة لتقليل التكاليف التشغيلية تستقدم هذه الشركات الخريجين الجدد تحت مسمى التدريب غير المدفوع أو العمل المؤقت بحجة عدم وجود شواغر أو مخصصات مالية كافية. يستمر هؤلاء الخريجون في العمل لفترات طويلة دون مقابل، وعندما يبدأون بالمطالبة بحقوقهم المالية، يتم فصلهم واستبدالهم بخريجين جدد يعانون من نفس الظروف.
والأدهى من ذلك، أن هذه الشركات تستغل وجود هؤلاء المتدربين المجانيين للحصول على دعم حكومي أو خصومات من جهات معينة تحت ادعاء أنها توظف شبابًا وتساهم في الحد من البطالة في الواقع، هي لا تتحمل أي أعباء مالية تجاه هؤلاء الخريجين، مما يجعل العملية بأكملها مجرد وسيلة للربح دون تقديم فائدة حقيقية لهم.
لا يقتصر تأثير هذه الظاهرة على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الجانب النفسي أيضًا اذ يشعر العديد من الخريجين بالإحباط والخذلان بعد سنوات طويلة من الدراسة والانتظار، حيث يجدون أنفسهم مضطرين للعمل دون مقابل ودون أمل حقيقي في تحسين أوضاعهم هذا الإحباط قد يؤثر سلبًا على مستقبلهم المهني ويقلل من حماسهم لمواصلة البحث عن فرص عمل حقيقية.
وللحد من هذه الظاهرة، ينبغي اتخاذ مجموعة من الخطوات على الصعيدين الحكومي والمجتمعي، ومن بين هذه الخطوات تفعيل القوانين الرقابية فيجب على الجهات الحكومية المختصة فرض رقابة مشددة على الشركات التي تستغل الخريجين وتعمل على محاسبتها، وكذلك توفير فرص عمل حقيقية فعلى الحكومة والقطاع الخاص التعاون لخلق فرص عمل حقيقية توفر للخريجين رواتب معقولة وفرصة لاكتساب الخبرة في بيئة عمل محترمة. ومن المهم جدا زيادة الوعي المجتمعي اذ ينبغي على المؤسسات التعليمية المدني توعية الشباب بحقوقهم وكيفية التعامل مع مثل هذه الممارسات الاستغلالية.
وختاما ظاهرة العمل المجاني في الأردن أصبحت مشكلة حقيقية تهدد مستقبل الكثير من الخريجين الجدد وتؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني. إن القضاء على هذه الظاهرة يتطلب تضافر الجهود من جميع الجهات المعنية لضمان حصول الشباب على فرص عمل عادلة تكفل لهم حياة كريمة وتعزز من دورهم في بناء مجتمع منتج ومستقر. فلا يمكن لمجتمع أن ينهض إذا كانت طاقاته الشابة تُستنزف دون مقابل.