الأردن، بتراثه العريق وإرثه الثقافي الممتد لآلاف السنين، يعدّ واحدًا من أهم الوجهات السياحية التاريخية في العالم، حيث يضم أكثر من 100 ألف موقع أثري، منها 7 مواقع مدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، مثل البتراء وجرش وأم قيس والمغطس ومكاور.

ورغم هذا الثراء التاريخي، فإن العديد من هذه الكنوز لا تزال مدفونة تحت الأرض بسبب العوامل الطبيعية والجيولوجية والزلازل، ما يستدعي الاستفادة من أحدث التقنيات لاستكشافها مثل الذكاء الاصطناعي (AI) والتصوير ثلاثي الأبعاد والمسح الجيوفيزيائي الخ.

في هذا الإطار، تتماشى فكرة إطلاق مبادرة “السياحة البحثية الأثرية” مع رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقها الديوان الملكي الهاشمي العامر، والتي تهدف إلى تحويل الأردن إلى وجهة سياحية واستثمارية عالمية في شتى المجالات.

حيث ترتكز الرؤية على تطوير القطاع السياحي بشكل مستدام، من خلال تحسين البنية التحتية وتعزيز السياحة الثقافية، مع التركيز على الحفاظ على المواقع التراثية واستكشاف المزيد منها عبر التكنولوجيا الحديثة. وتهدف هذه الرؤية أيضًا إلى زيادة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي، حيث حقق القطاع عام 2023 إيرادات بلغت 5.253 مليار دينار أردني، بزيادة 27.4% مقارنة بالعام السابق، رغم التحديات الإقليمية.

وان ضمن هذه المبادرة، يمكن للأردن تنظيم مؤتمرات علمية متنقلة يدعى اليها خبراء الآثار وطلاب الدراسات العليا من مختلف أنحاء العالم، وبتنسيق مع هيئة تنشيط السياحة والجامعات الأردنية. حيث يمكن لهذه المؤتمرات تسليط الضوء على المواقع الأثرية غير المستكشفة، واستخدام أحدث الأدوات التقنية للكشف عنها، مما يفتح الباب أمام استثمارات سياحية ضخمة. مثل هذا الحدث يتوافق مع مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي التي تسعى لجعل الأردن مركزًا عالميًا للسياحة المتخصصة من خلال جذب الباحثين الدوليين واستثمار الموارد الثقافية المتاحة .

علاوة على ذلك، ستسهم هذه المبادرة في خلق فرص استثمارية ضخمة، حيث تم الإعلان عن طرح 12 فرصة استثمارية جديدة خلال عام 2024 في قطاعي السياحة والآثار، كجزء من خطة التحديث الاقتصادي. كما تتضمن الخطة تنفيذ مشاريع لتطوير وتأهيل مواقع أثرية كبرى مثل جرش وقلعة عجلون والبتراء، بالتوازي مع تطوير مهارات العاملين في القطاع السياحي من خلال برامج تدريبية مكثفة.

إن دمج التكنولوجيا الحديثة مع السياحة الثقافية والبحثية لن يدعم فقط الجهود للحفاظ على الإرث التاريخي للأردن، بل سيساهم أيضًا في تعزيز النمو الاقتصادي وجذب السياح والباحثين من مختلف دول العالم، مما يضع الأردن في صدارة الوجهات السياحية الثقافية العالمية.