سوريا القادمة تحرك العالم والاقليم
كمال زكارنة
06-01-2025 01:16 PM
لم تهدأ معظم دول العالم والاقليم منذ الثامن من الشهر الماضي ،عندما اطاحت قوى المعارضة السورية بالنظام السوري السابق،وفجأة ظهر الحرص العالمي والاقليمي على الشعب السوري ،وخاصة الاقليات من مكوناته،ولم نلاحظ هذا الاهتمام والحرص طيلة ثلاثة عشر عاما متواصلة من الحرب الاهلية ،التي كانت تغذيها الدول التي تبدي حرصها اليوم على سوريا وشعبها ،تلك الحرب التي حصدت مئات الالاف من السوريين ،الذين ذاقوا من العذابات ما لم تكتشفه ولم تتوصل اليه مراكز الابحاث الخاصة بانتاج واكتشاف وابتكار انواع وصنوف العذاب،ونفت الملايين من السوريين وابعدتهم عن بلادهم.
اللافت ان هذا الحرص بدأ يظهر ويتكشف بأنه الوجه الاخر للتخوف من سوريا الجديدة ،سوريا القادمة ،ونظام حكمها الجديد،حيث لم تتوقف تدفقات الوفود الدولية والاقليمية الى دمشق من اربعة اسابيع تقريبا ،والكل يسدي نصائحه وارشاداته وتوجيهاته والبعض املاءاته ،والادارة السورية تتعامل بذكاء شديد تستمع للجميع ،وتسمعهم ما يريدون سماعه ،فهي في مرحلة في غاية الصعوبة والتعقيد والخطورة ،ويجب ان تتصرف هكذا كما تفعل الان.
المدهش في هذه الزيارات التي لا تنقطع،اننا لم نسمع وفدا واحدا ،من الوفود التي ترددت على دمشق، يطالب بانسحاب القوات الاسرائيلية التي توغلت في الاراضي السورية،او يدين الاعتداءات والعدوان الاسرائيلي على المقدرات العسكرية والمدينة السورية،ولم يشر اليها اي وفد دولي اواقليمي ،والجميع مر عليها مرور الصامتين.
كل هذا الاهتمام الدولي والاقليمي بالمستقبل السوري ،يؤكد اهمية سوريا ودورها الاستراتيجي في المنطقة الشرق اوسطية والعربية تحديدا،وان المتغيرات التي حصلت في سوريا سوف يكون لها انعكاسات ومضاعفات وتفاعلات على المنطقة عموما .
ندرك كما يدرك الجميع ،ان الوفود الدولية التي حجت الى دمشق اخيرا،وخاصة الامريكية والاوروبية ،جاءت حرصا على ابنتهم المدللة اسرائيل،وبث الوصايا المطلوبة تجاهها الى الادارة السورية الجديدة ،وتأكيد التزام امريكا واوروبا بحمايتها وبقائها وقوتها وسيطرتها ،وعدم المساس بأمنها ووجودها .
اما دول الاقليم ،فان هدف تواصلها مع الادارة السورية هو عدم تصدير او امتداد ما حصل في سوريا الى حدودها واراضيها،وضبط العلاقات معها ومنع انتقال اي اذى او ازعاج من اي نوع، من الاراضي السورية الى تلك الدول ،والحفاظ على علاقات حسن الجوار معها.
دول العالم تعرف قوة سوريا البشرية والانتاجية والاقتصادية والعسكرية مستقبلا ،وامكاناتها وقدراتها في مختلف المجالات ،فهي دولة نفطية غازية زراعية صناعية منتجة ،لديها الاكتفاء الذاتي في جميع المجالات تقريبا ،وقادرة على التصدير ،وتتمتع بقوة ديمغرافية ومساحة جغرافية كبيرة .
الملاحظ ان بعض دول العالم والاقليم تقف على ركبة ونص،ليس حرصا على سوريا بقدر ما هو خوف من سوريا الجديدة ،مصدر هذا التخوف يكمن في شقين ،الاول حرصا على الجارة.. الكيان المحتل،والثاني خشية من انتقال ما حصل في سوريا الى بعض الدول الاخرى.
التغيير في سوريا بالضرورة يجب ان يحمل تغييرات اخرى على مستوى المنطقة،وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ولبنان وغيرهما، وانعكاس تلك التغييرات على المنطقة العربية يعتمد على مواقف الدول العربية وقدرتها على الصمود امام المتغيرات المتوقعة، ومواجهة التحديات التي تحملها المرحلة التي تقترب بدايتها وتحل نهاية الشهر الحالي.